مقال

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه يرجع نضوج الدعوة العباسية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وابنه إبراهيم الذي سجنه آخر الأمويين مروان بن محمد في مدينة حران، إلى أن توفي عام سبعمائة وست وأربعون للميلاد، فتولى أخوه أبو العباس شؤون الحركة العباسية، بناء على دعوة أبي مسلم الخراساني، فقد قام أبو مسلم بإعلان قيام الدولة العباسية في خراسان، وحارب نصر بن سيار الوالي الأموي فيها، وانتصر عليه، ثم احتل مدينة مرو، ومنها انتقل أبو العباس إلى الكوفة في أغسطس سنة سبعمائة واثنين وأربعون للميلاد، بشكل سري، وظل مختفيا حتى التاسع والعشرين من شهر أكتوبر لعام سبعمائة وخمسون للميلاد، الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة مائة واثنين وثلاثين من الهجرة، حين بايعه أهل الكوفة بالخلافة، لتدخل عملية خلق الدولة العباسية مرحلتها الأخيرة، إذ التقى إثر ذلك الجيش الأموي بقيادة مروان بن محمد، وجيش العباسيين بقيادة أبي العباس السفاح.

 

قرب نهر الزاب شمال العراق بين الموصل وأربيل، وكانت الغلبة للعباسيين، الذين أتموا فتح العراق، وانتقلوا منها إلى بلاد الشام فمصر، حيث طاردوا فلول الجيش الأموي، وقتلوا الخليفة مروان بن محمد في معركة بوصير، وبفتحهم مصر دانت لهم سائر الأمصار التي كانت تابعة للأمويين، وتأسست الدولة العباسية، ثالث مراحل تاريخ الخلافة، بعد الراشدية والأموية، وبويع أبو العباس السفاح بالخلافة، ولقب بالسفاح لكثرة سفكه الدماء، خصوصا لدى دخوله دمشق حاضرة الأمويين إذ نهب بيوت الأسرة الأموية والمقربين منها، وأحرق قصورهم، ثم نبش قبور خلفائهم، ولم ينجو من الأسرة الأموية سوى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، الذي انتقل إلى المغرب، ثم دخل الأندلس، فاستقل بها مؤسسا حكما أمويا فيها، أما أبو العباس السفاح فقد نقل عاصمة الدولة من حران التي كان الخليفة مروان بن محمد قد نقل إليها عاصمة الدولة الأموية.

 

إلى الكوفة رغم أنه لم يلبث بها إلا قليلا، حتى انتقل للعيش في الأنبار، وإثر وفاته عام سبعمائة وأربع وخمسون للميلاد، ودفنه في الأنبار، أخذت البيعة لأخيه أبي جعفر المنصور، والذي كان السفاح قد عينه وليا للعهد، وكانت فترة حكم المنصور توطيدا لدعائم الدولة الجديدة، فقضى على الثورات المتلاحقة التي هددتها، وقتل أبا مسلم الخراساني، مع كونه سبب حصول العباسيين على الخلافة خوفا من امتداد نفوذه، وقضى على ثورة المدينة المنورة، التي بايع أهلها محمد بن عبد الله بن الحسن، الملقب بالنفس الزكية، بالخلافة، وقضى على ثورات شبيهة في البصرة وواسط والأهواز، كما قام بخلع ابن أخيه عيسى بن موسى من ولاية العهد، بعد أن استغله لسنوات في توطيد حكمه والقضاء على مخالفيه، لذا يصفه الباحث عبد القادر عيّاش بالقول بأن أبا جعفر المنصور أعظم رجل من العباسيين، شدة وبأسا ويقظة وثباتا، شحن الثغور والأطراق.

 

وأمن السبل، وعرف بميله إلى الاقتصاد في النفقات، حتى امتلأت خزائنه، تاركا لابنه المهدي ثروة جعلته ينفق في سعة ومن الأعمال العمرانية الهامة التي ارتبطت به تشييده مدينة بغداد على نهر دجلة، ونقله عاصمة الخلافة إليها، وظل مقيما بها إلى أن توفي في السابع من شهر أكتوبر سنة سبعمائة وخمس وسبعين للميلاد، الموافق السادس من شهر ذي الحجة سنة مائة وثماني وخمسين من الهجرة، في قصر الخلد الذي شيده مقابل نهر دجلة، أما على الصعيد الديني فقد توفي خلال عهده الإمام أبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي لدى السنة، وقد تلا المنصور في الخلافة ابنه محمد المهدي، والذي اهتم بالخدمات الداخلية فنظم البريد والطرقات، وأصلح الزراعة، ونقل عنه رفاهة الشعب وعدالة القضاء الذي كان يرأسه بنفسه، كما نقل عن المهدي ورعه وميله للالتزام بالشريعة، والعناية بالفقراء وأصحاب الأمراض والمساجين في جميع أنحاء الدولة.

 

ممهدا بذلك لبدء العصر الذهبي لسلالة آل العباس، وتوفي المهدي عام سبعمائة وخمس وثمانين للميلاد، وأخذت البيعة لابنه موسى الهادي، غير أن حكمه لم يطل إذ توفي مسموما عام سبعمائة وست وثمانين للميلاد، مفسحا المجال أمام أخيه هارون لاستلام السلطة، وكان والد هارون قد خلع عليه لقب الرشيد في أعقاب إحدى الغزوات التي انتصر فيها على البيزنطيين، واهتم هارون الرشيد بالإصلاحات الداخلية، فبنى المساجد الكبيرة، والقصور الفخمة، وفي عهده استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد، وتطورت العلوم خصوصا الفيزياء الفلكية والتقنية، وتم ابتكار عدد من الاختراعات كالساعة المائية وقد اعتنى الرشيد أيضا بالزراعة وأسس نظامها، فبنت حكومته الجسور والقناطر الكبيرة، وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الأنهار، وأسس ديوانا خاصا للإشراف على تنفيذ تلك الأعمال الإصلاحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى