مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام إبن إسحاق، وقال الإمام الذهبي عنه قد كان في المغازي علامة، وقد ألف ابن إسحاق كتابه المغازي من أحاديث وروايات سمعها بنفسه في المدينة ومصر، وقد روى عنه أصحاب الكتب الستة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعاش بالمدينة المنورة نحوا من ثلاثين سنة، وكان ابن إسحاق من أحفظ الناس وقد وهبه الله سبحانه ذاكرة قوية، فكان الرجل يأتي ابن إسحاق بخمسة أحاديث أو أكثر فيقول له احفظها عني فإن نسيتها فأنت تحفظها، ويروي أهل التاريخ أن ابن إسحاق حين قدم مصر كان ذلك في نهايات عصر بني أميّة، فلما جاء حكم بني العباس اتصل بخلفائهم وكان على علاقة بهم، فكان على صلة بأبي جعفر المنصور ومن أجله صنف كتابه المعروف بسيرة ابن إسحاق فيروي الخطيب البغدادي أن ابن إسحاق دخل على المنصور وبين يديه ابنه المهدي.

 

فطلب المنصور إلى ابن إسحاق أن يؤلف كتابا فيه منذ خلق آدم إلى اليوم الذي يعيش فيه المنصور وابن إسحاق، ولقد بلغ ابن إسحاق سنام الذروة بين كتاب السيرة النبوية، وقد طار مُصنفه في السيرة في شرق الأرض ومغربها، واشتهر وأقبل عليه الدارسون بنهم شديد ذلك أنه قد وضع منهجا لكتابه فبدأ بالمبعث ثم بدأ بالمغازي شيئا فشيئا، وإلى غير ذلك من الأسباب التي جعلته شيخ كتاب السيرة والمُقدم بلا منازع، ومن ذلك قول الإمام البخاري مدافعا عن محمد بن إسحاق والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يبين أمره، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك، أخرج إلي كتب ابن إسحق عن أبيه في المغازي وغيرها فانتخبت منه كثيرا، وقال فيه أبو زرعة الدمشقي أن محمد بن إسحاق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم سفيان، وشعبة، وابن عيينة.

 

وروى عنه من الأكابر يزيد بن أبي حبيب، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا خيرا وصدقا مع مدحة ابن شهاب له، ويرى الإمام ابن عدي صاحب كتاب الكامل في الضعفاء أن ابن إسحاق قد روى عنه المغازي جماعة من أهل العلم وعلى رأسهم سلمة بن الفضل، وإبراهيم بن سعد، ومحمد بن سلمة، وسعيد بن بزيع، وجرير بن حازم، ويحيى بن سعيد الأموي، وزياد البكائي وغيرهم كثير، وقال ابن عدي إن ابن إسحاق لو لم يكن له سوى أنه صرف الملوك والخلفاء إلى قراءة مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ومبتدأ الخلق وغير ذلك فهذه فضيلة قد سبق بها غيره، ويرى ابن عدي أن من جاء بعد ابن إسحاق وكتب في المغازي لم يبلغ ما بلغه ابن إسحاق، ثم يقول ابن عدي مثنيا على حديث ابن إسحاق وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء.

 

كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به، وهكذا قد وصل ابن إسحاق إلي منزلة رفيعة في عصره وأثنى عليه كثير من العلماء، منهم شعبة بن الحجاج الذي رأى أنه قد بلغ مرتبة أمير المؤمنين في الحديث، وغيره كثير من العلماء قد أثنوا عليه ووضعوه في منزلة رفيعة كلإمام سفيان الثوري والإمام أبي معاوية الضرير وغيرهم، ولكن قد وجهت لابن إسحاق إتهامات كثيرة بعضها حق وبعضها فيه نظر لأنه ربما يكون بسبب عداوة بعض العلماء له، فقيل أنهم اتهمموا ابن إسحاق بالقدرية، وذكر أنه قد جُلد بسبب ذلك، كما اتهم ابن إسحاق بالتشيع وهذان الأمران لم يثبتا مطلقا عن ابن إسحاق على نحو مطلق، وإن ثبتا فذلك لا يؤثر في حديثه ولا يقدح به فالعلماء يأخذون عن القدرية والشيعة إن ثبت صدق حديثهم، وكما اتهم ابن إسحاق كذلك بالتدليس.

 

وذكره ابن حجر العسقلاني في المرتبة الرابعة من المدلسين، وهذا الأمر لا يقدح بحديث ابن إسحاق مطلقا، فالمُدلس يؤخذ بحديثه إذا صرح بالسماع، ولكن يُرد ما رواه بالعنعنة، وكما اتهم ابن إسحاق بالكذب، وهذه التهمة لا تثبت على ابن إسحاق مُطلقا، واتهم ابن إسحاق بمخالفة الثقات وانفراده ببعض المناكير، ولذلك فقد كان الإمام أحمد لا يرتضي أحاديث ابن إسحاق، وفي ذلك يقول الإمام الذهبي عن ابن إسحاق صدق القاضي أبو يوسف إذ يقول من تتبع غريب الحديث كُذب، أي تم تكذيبة وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق، فإنه يكتب عن كل أحد ولا يتورع سامحه الله، وقال ابن نمير فيما يرويه عنه يعقوب بن شيبة إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة، وكما أنه اتهم بأنه يروي كثيرا من الإسرائيليات.

 

وهذه ليست تهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا، آمنا بالله وما أنزل إلينا” فهذا إذن من النبي صلى الله عليه وسلم بجواز سماع ما يأثرونه بنو إسرائيل ولا حرج في ذلك، وأخيرا اتهم ابن إسحاق بالجمع بين ألفاظ الشيوخ، وهذا لا يقدح في كل حديثه، ولكنه يدعو للتوقف على ما يشك فيه المرء أن ابن إسحاق قد جمع بين ألفاظ الشيوخ فلم يفرق حديث فلان عن فلان، وبذلك يختلط كلام الثقة بغيره، والله أعلم، وتوفي محمد بن إسحاق في بغداد سنة مائة وواحد وخمسين من الهجرة، الموافقة سبعمائة وثماني وستين من الميلاد، ودفن في مقبرة الخيزران عن عمر ناهز سبعون سنة، ولقد اختلف العلماء في وفاة محمد بن إسحاق على أقوال كثيرة.

 

وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد أقوال أهل العلم في زمن وفاته، فقالت طائفة من العلماء إنه قد توفي سنة مائة وخمسين من الهجرة، وقال بعضهم إن ابنه قد ذكر هذا التاريخ، وقال آخرون بل هو مات سنة مائة وواحد وخمسين من الهجرة، وكذلك رواه جمع من العلماء، وقال آخرون أيضا إنه قد توفّي سنة مائة واثنين وخمسين، وقالوا أيضا قد توفي سنة مائة وثلاث وخمسين وقد رجح الإمام الذهبي أنه قد توفي سنة مائة وواحد وخمسين من الهجرة، فالله أعلم بالصواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى