مقال

الدكروري يكتب عن الوفاء والأمة الإسلامية ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الوفاء والأمة الإسلامية ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الوفاء والأمة الإسلامية، وهذا هو العهد الذي بيننا وبين الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ فيقول نعم، فيقول قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي” ومن الوفاء لله الوفاء لدين الله الذي شرعه، وإن من أجل صور الوفاء للدين الثبات على تعاليمه والتمسك بأهدافه والبذل في سبيله، والتضحية من أجله، هذا هو نبى الله إبراهيم عليه السلام توقد له النار العظيمة ويلقى فيها فلا يزحزحه ذلك عن دينه، وهذا خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه يوم أن ظن عمه أبو طالب أنه قد اضطرب في أمره وضعف عن نصرته فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تريده منه قريش، فقال صلى الله عليه وسلم.

 

تلك الكلمات التي ملؤها الوفاء لهذا الدين “يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته” وهذا بلال رضي الله عنه يوضع على رمال مكة الحارة في عز الصيف وتوضع الصخرة العظيمة على صدره ويعذب على أن يتزحزح عن هذا الدين فيرفض ويظل وفيا لهذا الدين، وهذا خباب بن الأرت يوقد له الفحم المستعر ثم يلقوه عليه ويضع رجل منهم قدمه على صدره لتثبيته فما يطفئ ذلك الجمر إلا ما خرج من دهن جلده فلا يتزحزح ويظل وفيا لهذا الدين، وهذه سمية أم عمار امرأة تظل وفية لدينها حتى ماتت تحت التعذيب، وقد جعل الله الوفاء بالعهد أول صفات العقلاء، فقال تعالى فى سورة الرعد ” أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق”

 

إن الوفاء خُلق الكرام، به يسعد الفرد في الدنيا والآخرة وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان فالحقوق محفوظة والأعراض مصونة والحب والتراحم يسود بين أفراد المجتمع وبه ينال المسلم رضا ربه ويهنأ بدخول جنته، ومن ذلك الوفاء بالكيل والميزان فالمسلم يفي بالوزن، فلا ينقصه، لأن الله تعالى قال “ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعدوا فى الأرض مفسدين” فمن غش في بيعه وشراءه وسلعته فليس من الإسلام في شيء، وقال صلى الله عليه وسلم “من غشنا فليس منا” وكذلك الوفاء بالنذر فالمسلم يفي بنذره ويؤدي ما عاهد الله على أدائه، والنذر هو أن يلتزم الإنسان بفعل طاعة لله سبحانه وتعالى ومن صفات أهل الجنة أنهم يوفون بالنذر، فيقول الله تعالى “يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا” ويشترط أن يكون النذر في خير، أما إن كان غير ذلك فلا وفاء فيه.

 

ومن ذلك الوفاء بالوعد، فالمسلم يفي بوعده ولا يخلفه، فإذا ما وعد أحدا، وفي بوعده ولم يخلف لأنه يعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان” متفق عليه، ولقد وصف الله إسماعيل عليه السلام بقوله تعالى ” واذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا” وإن من الوفاء أن لا ينسى المرء من أحسن إليه أو أسدى إليه معروفا فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوفياء كان وفيّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها، فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته.

 

ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحرم وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، فانظروا إلى الوفاء حتى مع المشركين، وهذا هو أبا البحتري بن هشام؟ إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم “من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله” يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى