مقال

الدكروري يكتب عن ما فطرت عليه النفوس السليمة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ما فطرت عليه النفوس السليمة ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الوفاء خُلق كريم وسلوك نبيل وصفة من صفات المتقين، فيه أداء للأمانة وصيانة للمودة، وحفظ للحقوق، ولا يكون التعاون قائما بين الناس إلا بالوفاء بالعهود وهو مما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فأهل الوفاء هم من التزموا بعهود ربهم، ووقفوا عند حدوده، وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “كل ما أحل الله وما حرّم، وما فرض في القرآن فهو عهد” فإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإحسان بالقول والعمل كل ذلك عهد مع الله تعالى يجب الوفاء به، وإن الوفاء يعظم لمن له حق على الإنسان، من أبناء وإخوان، وزوجة وخلان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بقرابته وزوجاته وأصحابه، فهذه السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها كانت خير معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم على تحمل أعباء الدعوة في أولها، فآزرته بنفسها ومالها، فكانت خير زوجة لزوجها.

 

فقد أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ” يا رسول الله هذه خديجة قد آتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هى أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب” رواه البخارى ومسلم، وقال السهيلي “وهذا مناسب لما كانت عليه السيدة خديجة رضي الله عنها من حُسن الاستجابة والطاعة، فلم تحوج زوجها إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عصيب، وكانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط فناسب أن يكون منزلها الذي بشرت به من ربها بالصفة المقابلة لفعلها، فهي لم تصخب عليه، ولم تتعبه يوما من الدهر” فقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاءها بوفاء أعظم منه، فعرف حقها وقدرها ومنزلتها.

 

وظل صلى الله عليه وسلم بعد موتها، يكثر من ذكرها وفضلها ومحاسنها، ويتفقد صديقاتها، ومن أحب شيئا أحب محبوباته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذبح الشاة يقول ” ارسلوا بها إلى أصدقاء خديجه” رواه مسلم، وتقول الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول “إنها كانت وكانت وكان لى منها ولد” رواه البخاري، وقد بلغ من وفائه صلى الله عليه وسلم، أنه لما دخلت عليه امرأة كانت تدخل عليه أيام خديجة، هش لها وبش، وسُر لرؤيتها، ثم قال لأهله “أكرموها فقد كانت خديجه تحبها” رواه الحاكم.

 

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كيف أنتم؟ وكيف حالكم؟ وكيف كنتم بعدنا؟ قالت بخير، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال ” إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان” وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صوت هالة أخت السيدة خديجة، فبرقت أساريره، وابتهجت نفسه، وقال “اللهم هاله بنت خويلد” فقال النووي رحمه الله “وفي هذا كله دليل لحسن العهد، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب” ولقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فيما رأينا من عظيم وفائه وحفظه للعهود، ورده للجميل، وإن ذلك ليتأكد في حق الوالدين.

 

حيث أوصى الله بحقهما بعد حقه فقال تعالى ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا” فإن صلة الوالدين قربة وحديثهما طاعة، ودعاؤهما بركة فهما أحق الناس ببرك ووفائك، وأولى الناس بحُسن صحبتك وإحسانك، وخاصة عند الكِبر والضعف ومظنة الحاجة، فقد كنت في صغرك زينة حياتهم، وريحانة قلوبهم، وغرس آمالهم، يسعدان لفرحك، ويبكيان لمصابك، ولا يسأمان من الدعاء لك فإن برهما أعظم أجرا من الهجرة والجهاد في سبيل الله، فقيل أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” فهل من والديك أحد حى؟ قال نعم، بل كلاهما، قال “فتبتغى الأجر من الله؟ قال نعم، قال ” فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما” وكان سلفنا الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، يرون بِر الوالدين أعظم من نوافل العبادات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى