مقال

الدكروري يكتب عن الإمام السخاوي ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام السخاوي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ويوجد في تراث السخاوي أثرين من نوع خاص ولهما أهمية خاصة، وقد انتهى كلاهما إلينا أولهما كتاب تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والبقاع المباركات، وهو دليل لخطط المشاهد والمزارات والبقاع المقدسة، ولا سيما مصر القاهرة، وفيه وصف لأحياء مصر القاهرة التي تقع فيها هذه المشاهد في أواخر القرن التاسع وذكر لكثير من المشاهد والمدافن التي لم يمن بها المقريزي في خططه، ولا يزال الكثير منها باقيا إلى اليوم ومن ثم كانت أهمية الكتاب في تاريخ الخطط المصرية، إذ نستطيع بالرجوع إلى معالمه أن نحدد كثيرا من مواقع القاهرة القديمة وأحيائها وشوارعها في القرن التاسع الهجري، وأما الثاني، فهو كتاب الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، وهو رسالة نقدية قيمة، يعرف السخاوي فيها علم التاريخ ويشيد بفضله.

 

ويتناول طائفة كبيرة من المسائل والمباحث النقدية التي تدخل في حيز التاريخ ثم يذيلها ببيانات ضافية لجميع المؤلفات التاريخية الإسلامية التي ظهرت في مختلف أبواب التاريخ وعصوره، مثل كتب السيرة، وكتب التراجم المختلفة، وما ألف في تواريخ الطوائف والجماعات المختلفة، مثل تواريخ القضاة والحفاظ والشعراء واللغويين والأطباء والأشراف والأدباء والعشاق والصوفية وغيرهم فهو بذلك فهرس بديع شامل لأمهات الكتب التي وضعت في هذه النواحي المختلفة، ويتخلل ذلك مواقف نقدية كثيرة تجعل لهذا الأثر قيمة خاصة، وقد أقام السخاوي بهذا الكتاب نصبا قيّما لعلم التأريخ العربي، والكتاب كما يدل عليه العنوان كان ذا صفة اعتذارية، وقد تم كتابته للدفاع عن دراسة التأريخ موضوعا ثقافيا مساعدا في مناهج الدراسة الدينية.

 

كما أنه يقدم عرضا شاملا، وأحيانا رائعا، لعلم التاريخ الإسلامي وآماله ومعضلاته لمن يعرف كيف يقرأه، يتكون كتاب الإعلان بالتوبيخ من ثلاثة أقسام، فالقسم الأول هو يتناول بعض الملاحظات العامة عن طبيعة علم التاريخ، فعرّف التاريخ لغة الإعلام بالوقت، وإصطلاحا التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال وحدد موضوعه عن الإنسان والزمان، وفائدة التاريخ وهو معرفة الأمور على وجهها، فحدّ السخاوي من أفق هذا العلم، وجعله علما فرعيا مساعدا لعلم الحديث بتحقيق تواريخ ميلاد الرواة أو وفاتهم، والتثبت من صحة رواة الحديث أو عدم صحتهم وتقديم مادة نافعة في تفسير القرآن الكريم، وإضافة إلى ما سبق فهو حافل بالعبر والمواعظ، وأفرد السخاوي بحثا عن ذم ناقدي التاريخ، كما حدد شروط المؤرخ ومنها العدالة مع الضبط التام.

 

والتمييز بين المقبول والمردود مما يصل إليه من ذلك، والمحاباة المفضية للعصبية، ويشترط على المؤرخ ألا يكون جاهلا بمراتب العلوم، وخصوصا الفروع والأصول، كما يحتاج إلى مصاحبة الورع والتقوى، وأما عن القسم الثاني، فقد خصّه لكتب التاريخ كما وردت في تصنيف الذهبي، وأما عن القسم الثالث فهو يتضمن سردا لكتب التاريخ تبعا لتصنيف السخاوي قصد أن تكون تكملة للذهبي، ومنها على سبيل المثال الرسول والأنبياء، الصحابة، الأشراف، آل أبي طالب وآل علي، الرواة المعتمدون، وغيرهم، فما بين الرواية الشفوية القديمة وفلسفة التاريخ للعلامة ابن خلدون وتاريخ التاريخ للسخاوي قد نما التاريخ عند العرب وتفرع وأزهر وأثمر، وقد أقام السخاوي حينا في القاهرة ثم سافر إلى مكة ليحج للمرة السابعة وعكف بعد أداء الفريضة على الإقراء والدرس.

 

وتردد حينا بين مكة والمدينة ثم استقر أخيرا بالمدينة واستمر في الإقراء بها حتى توفى في عصر يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة تسعمائة واثنين من الهجرة، الموافق عام ألف وربعمائة وسبع وتسعين ميلادي، في الحادية والسبعين من عمره، ودفن بمقابر البقيع بالمدينة المنورة بجوار مشهد الإمام مالك فرحمه الله رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى