مقال

الدكروري يكتب عن منهج الله تعالي وشريعتة ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن منهج الله تعالي وشريعتة ” جزء 3″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

فالله سبحانه وتعالى أباح للمؤمنين الطيبات لأنهم ينتفعون بها، ويشكرون الله عليها كما أمرهم ربهم بقوله عز وجل كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون” فإن سلطة التشريع والتحليل والتحريم إنما هي لله الواحد القهار، الذى ملك السموات والأرض، وله خزائن السموات والأرض، أحل للناس ما فيه مصلحة، وحرم عليهم ما فيه مضرة، وإن الذى يملك حق التحليل والتحريم في هذا الكون هو الذي خلقه، وهو الله وحده لا شريك له، وليس ذلك لأحد من البشر، لا فرد، ولا طبقة، ولا أمة ولا سلطة، وكل جهة أخرى تحلل أو تحرم شيئا في حياة البشر فإنما تصدر أحكاما باطلة بطلانا أصليا، فليس لأحد غير الله أن يحلل أو يحرم في طعام أو شراب أو نكاح، ولا في لباس، ولا في حركة، ولا في عمل، ولا في عقد، إلا أن يستمد سلطانه من الله حسب شريعة الله عز وجل.

 

وكل ما يشرعه البشر للبشر بغير سلطان من الله فهو من حكم الجاهلية، وهو اعتداء على حق الله في خلقه، ومن ثم فهو باطل بطلانا أصليا، فما أعظم جرم هؤلاء الذين يشرعون للناس من دون الله تعالى فيقول سبحانه كما جاء فى سورة الشورى ” أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ” فإن الإسلام دين العدل والرحمة والعمل، لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة البشرية، ولا يكبت كذلك طاقة بناءة من طاقات الإنسان تعمل عملا نافعا سويا، ومن ثم حارب الرهبانية، لأنها كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله تعالى لها النماء، كما نهى سبحانة عن تحريم الطيبات كلها لأنها من عوامل بناء الحياة ونموها، وتحقيق مراد الله عز وجل في الحياة، وإن الحلال كله طيب، والحرام كله خبيث، فلا يستويان أبدا.

 

فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون” وإذا كانت كثرة الخبيث تغر وتعجب ففي الطيب متاع بلا معقبات من ندم أو تلف، وبلا عواقب من ألم أو مرض، وما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيب مثلها، بل أحسن منها على اعتدال وأمن من العاقبة في الدنيا والآخرة، فكل ما أحله الله تعالى فهو الطيب، وكل ما حرمه فهو الخبيث، وليس للإنسان أن يختار لنفسه غير ما اختاره الله تعالى له لأمرين، أحدهما هو أن التحليل والتحريم من خصائص الله الرازق، فمن اختار لنفسه غير ما اختار الله فهو الاعتداء الذى لا يحبه الله عز وجل، ولا يستقيم معه إيمان، والثاني وهو أن الله تعالى يحل الطيبات، فلا يحرم أحد على نفسه تلك الطيبات التي بها صلاحه وصلاح حياته، فإن بصره بنفسه.

 

وبصره بالحياة لن يبلغ بصر الحكيم الخبير الذي أحل هذه الطيبات، فالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، تظهر آثار الإيمان بالله الواحد في العبادات التي بين العبد وربه، وفي المعاملات التي بين العبد وغيره، فكل ما جاء به الإسلام فنحن مأمورون باتباعه وعدم الخروج عنه كما قال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنعام ” وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون” ولا شك أن الإيمان بالله يقتضي فعل جميع أوامر الدين، واجتناب نواهيه، ومن عمل ببعض أوامره، وترك البعض الآخر، فما أجدره بالخزي في الدنيا، والعذاب الشديد على جرمه في الآخرة كما قال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة ” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون”

 

ولا يفعل ذلك إلا من زهد فى الدين فأخذ ما يروق له، وترك ما لا تحب نفسه، واشترى الحياة الدنيا بالآخرة كما قال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة ” أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون” وإنه لمن المؤسف حقا أن كثيرا من المتحمسين لهذا الدين ضلوا الطريق، فجعلوا قضية الحكم بغير ما أنزل الله في شؤون الحياة قضية منفصلة عن قضية العقيدة، لا تجيش لها نفوسهم كما تجيش للعقيدة، ولا يعدون المروق منها مروقا من الدين كالذى يمرق من عقيدة أو عبادة، والعمل بشريعة الله تعالى يجب أن يقوم ابتداء على العبودية لله عز وجل، على الطاعة لله تعالى، إظهارا لكمال العبودية لله سبحانه، وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يلتمس حكمة الله عز وجل بقدر ما يستطيع فيما أمر الله تعالى به أو نهى عنه، فإن عرف الحكمة فذلك من فضل الله، وإن لم يعرف فمقتضى العبودية الطاعة والانقياد والتسليم لله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى