مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وإن القناعة هي سبب للفلاح لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الظلم، والتطاول على الأموال المحرمة، والهلاك بسبب ذلك كثير في الناس، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم “قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه” رواه مسلم، واجتناب المحرمات ولو هويتها النّفوس طريق إلى الفلاح، فقال تعالى في الخمر وغيره، كما جاء في سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون” وقد نص الكثير من الفقهاء الشافعية على أفضلية كسب الزراعة على غيرها، فقال الإمام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في شرحه على روضة الطالب “أفضل ما أكلت منه كسبك من زراعة” لأنها أقرب إلى التوكل، ولأنها أعم نفعا ولأن الحاجة إليها أعم، وهكذا يقول العلماء إن الحاجة إليها أعم وأنها أنفع، ونحن نعاني في العالم الإسلامي من الحاجة الشديدة إلى غيرنا في قوتنا.

 

مع أننا نمتلك أراضي زراعية شاسعة، ولكن لا يستغل منها إلا القليل، فالأمر خطير ويحتاج إلى وقفة جادة ممن يمتلك القرار، ويحتاج إلى تغيير للمفاهيم، وتغيير للواقع المعاش، وإلا سنبقى عالة على أعدائنا، مستعمرين راضخين للضغوط الدولية، والله المستعان، ولقد رغب القرآن، وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل والكسب، وجاءت الآيات في ذلك واضحة، لا لبس فيها ولا غموض، ترغب في العمل الشريف والمكاسب الطيبة، وجاء الحديث عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مرغبة في العمل، داعية إليه بأنصع عبارة وأجلى بيان، فقال صلي الله عليه وسلم “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير” كما قال صلي الله عليه وسلم “لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه” كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.

 

” لا يزال الرجل يسأل ويلح في المسألة حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مُزعة لحم” كما قال صلي الله عليه وسلم “لا رهبانية في الإسلام” كما قال صلي الله عليه وسلم “أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور” فعلى هذا النحو جاء الإسلام، مرغبا في العمل حاضا عليه، وهكذا هم السلف الصالح صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يتعلمون ويعملون، وكانوا يكسبون بتجارتهم وزراعتهم وتدربهم على الحرب والفروسية، ويصرفون الأموال في طرق الخير، ويكسبونها من الطرق المشروعة، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يخبر عن الصحابة أنهم يشتغلون بالصفق في الأسواق، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، ويعاقب الاتكاليين والمتبطلين، ولقد عز المسلمون وسادوا يوم كانوا يفهمون الإسلام على حقيقته، ولكن بعد أن جهلوا صاروا في المؤخرة.

 

بل هانوا وضعفوا إلى حد مخجل، وانقلبت المفاهيم إلى أضدادها في كثير من الأمور، ومن جملة ذلك إهمال التكسب، وركون المسلمين إلى الكسل، والعيش على فتات الموائد، أو انتظار الصدقات والهبات، أو مد اليد للتسول، كما أن هناك جماعات كثيرة تحتقر بعض الأعمال، وترى فيها غضا من شأنهم، وامتهانا لكرامتهم، مفضلين التبطل، وتضييع واجباتهم في الإنفاق على من يعولون، ومن المؤسف أن نرى البلاد الأخرى التي لا تدين بالإسلام تحارب البطالة وتمقتها، ويندر أن يوجد فيها شحاذون نتيجة لذلك، وهم ليس في ديانتهم من التعاليم ما يرغب في العمل والكسب كما في الإسلام ولا قريب منه، ويبقى المسلمون متأخرين، على عكس تعاليم دينهم، وفي حالة مزرية حتى أصبحوا أضحوكة وغثاء، وإن الذي يرى العدد الجم من المتسولين وفيهم الكثيرون من القادرين على العمل، بل من ذوي القوة والنشاط العظيمين.

 

يعجب لبقاء هذه الوصمة، إن العرب يرون سُبّة أن ينتظر الإنسان الصدقات، ويبقى عاطلا مع اقتداره على الكسب، وإن من المؤلم أن تبقى هذه الرواسب على مرأى ومسمع من الجميع، لا تعالج المشكلة علاجا حاسما، فنريد أن نرى من العلماء قياما بواجبهم في ذلك، فيبينوا ما في العمل الشريف من مصالح، وما في التسول من مصائب، ويذكروا النصوص من القرآن والحديث وأقوال العلماء، ونريد من السلطات المسؤولة أن تنفذ، وأن تعالج بما لها من السلطان، وقوة الحكم، ونتمنى أن تزول وسمة التبطل من المجتمع نهائيا، فإننا أحق من يقضي على هذه المساوئ، ومن المحزن أن نجد من يشجع هذه الأشياء بفعله، بل إن هناك ما لا يكاد يصدقه المرء، الذين يتجولون في الأسواق ويقرعون الأبواب ليناولوا الناس الصدقات، لا فرق بين غني وفقير، هل هذا هو حكم الإسلام في الزكاة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى