مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حيان الأندلسي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حيان الأندلسي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وترك أبو حيان ثروة هائلة من المؤلفات والكتب منها كتاب إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب وهو مطبوع، وكتاب البحر المحيط وهو تفسير وهذا أيضا مطبوع وكتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل، ومؤلفه الشهير تقريب المقرب لابن عصفور، واللمحة البدرية في علم العربية وهو كتاب مطبوع، وكتابه منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك وهو مطبوع، ومؤلفه ارتشاف الضرب من لسان العرب وهومطبوع، وكان أبو حيان الأندلسي الغرناطي من كبار علماء القرن السابع الهجري، وتلقى العلم عن كبار علماء الأندلس، ثم قَدِم مصر فأخذ عن علمائها، فكان على علم جمّ بالعربية، لغة، ونحوا، وصرفا، وشعرا وكان فوق ذلك صاحب يد طولى في التفسير، والحديث، وتراجم الرجال، والقراءات القرآنية، وصنفّ أبو حيان العديد من المؤلفات، التي انتشرت في حياته قبل مماته، وتلقاها الناس بالقبول والرضى.

 

وكان من أهم تلك المؤلفات كتابه التفسير المحيط، وهو مطبوع ومتداول، وهو محط أنظار أهل العلم عامة، وأهل العربية خاصة؛ إذ يُعد هذا التفسير المرجع الأهم لمن يريد الوقوف على وجوه الإعراب لألفاظ القرآن ودقائق مسائله النحوية، فالجانب النحوي هو أبرز ما في هذا التفسير، إذ إن المؤلف رحمه الله قد أكثر من ذكر مسائل النحو، وتوسع فيها غاية التوسع، وذكر مسائل الخلاف فيها، حتى كاد الكتاب أقرب ما يكون كتاب نحو منه كتاب تفسير، ولكن أبا حيان رحمه الله لم يهمل الجوانب التفسيرية الأخرى في كتابه، بل كان يتعرض لغير مسائل النحو كذكره المعاني اللغوية للآيات، والأسباب الواردة في نزولها، ويتعرض أيضا لذكر الناسخ والمنسوخ، وأوجه القراءات القرآنية، والأحكام الفقيهة المتعلقة بآيات الأحكام، وقد ذكر أبو حيان في مقدمة كتابه منهجه في تفسير القرآن الكريم، وحاصل منهجه أنه يبدأ الكلام على مفردات الآية القرآنية.

 

فيشرحها كلمة كلمة، ويبين معانيها، وبعد أن يذكر سبب نزول الآية، إن كان ثمة سبب لنزولها، يشرع في تفسير الآية كاملة ثم يذكر تناسب الآية مع ما قبلها من الآيات، وكان من منهج أبي حيان هو ذكر أوجه القراءات القرآنية الواردة في الآية، مع توجيهه لتلك القراءات وفق مقتضيات اللغة العربية، ثم إن أبا حيان ينقل أقوال السلف والخلف الواردة في معاني الآيات، ويختار منها ما يراه الأقوى دليلا، والأصح ثبوتا، وكان لأبي حيان وهو فارس اللغة اهتمام خاص ببيان النواحي البلاغية في الآية التي يريد تفسيرها إذ نجده يبين أوجه البلاغة فيها غاية البيان، أما معالجته لآيات الأحكام فهذا من منهجه أيضا، فكان ينقل أقوال الفقهاء في المسألة موضع البحث، ويرجح منها ما يرى أن الدليل يؤيده، والعقل يصوبه، وكما يُلاحظ من منهج أبي حيان في تفسيره أنه لا يُحمّل النص القرآني ما لا يحتمل، ولا يخرج به عن ظاهره إلا لدليل يقتضي هذا الخروج.

 

ولذلك وجدناه لا يعرض في تفسيره لأقوال أهل الفلسفة، ولا يُعرّج لا من قريب ولا بعيد على أقوال الفرق الباطنية، التي تعتمد التأويل المرجوح لآيات القرآن الكريم، والمتأمل في هذا التفسير، يلمس أن أبا حيان رحمه الله كان في منهجه بعيدا عن أقوال أهل الفلسفة، وبريئا من مذهب أهل الاعتزال غير أنه في المقابل لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات، وإن ظهرت عنده بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة في ذلك، هذا وقد اعتمد أبو حيان في جمع مادة تفسيره على كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير لابن النقيب، كما أنه كان كثيرا ما ينقل عن الزمخشري، وابن عطية، خاصة في مسائل النحو، ويتعقبهما في كثير من المسائل، مع اعترافه لهما بمنزلتهما العلمية، وحاصل القول فيما تقدم إن هذا التفسير يُعد من التفاسير المدرجة ضمن التفاسير بالرأي وقد عرفنا أن مؤلفه اعتمد أساسا على جانب اللغة العربية.

 

نحوا وصرفا، في تفسير القرآن الكريم، وهذا للعقل فيه مدخل كما لا يخفى على القارئ، وهكذا كان أبو حيان الغرناطي من كبار العلماء باللغة العربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات، فقد قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث ببلاد الأندلس وإفريقية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، واجتهد وطلب وحصل وكتب، وله إقبال على الطبلة الأذكياء وعنده تعظيم لهم، ونظم ونثر، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم وتقييد أسمائهم، وأقرأ الناس قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وأشياخا في حياته، فقال عنه الصفدي ولم أري في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب.

 

ولم أره على غير ذلك، كما مدحه بكلام جميل فقال كان أمير المؤمنين في النحو، والشمس السافرة شتاء في يوم الصحو، والمتصرف في هذا العلم، فإليه الإثبات والمحو، لو عاصر أئمة البصرة لبصرهم، وأهل الكوفة لكف عنهم اتباعهم الشواذ وحذرهم، نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدا، وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدا، وجعل سرحة شرحه وجنة راقت النواظر توريدا، ملأ الزمان تصانيف، وأمال عُنق الأيام بالتواليف، فكان أبو حيان الغرناطي شيخا حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، كان أولا يرى رأي الظاهرية، ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه، وبعد رحلاته في طلب العلم وانتقاله من بلد إلى آخر أقام بالقاهرة، وتوفي فيها بعد أن كف بصره، فعاش الإمام أبو حيان الأندلسي في القاهرة حتى توفي في منزله خارج باب البحر بظاهر القاهرة في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة سبعمائة وخمس وأربعين من الهجرة الموافق عام ألف وثلاثمائة وأربع وأربعين من الميلاد، ودُفن بمقابر باب النصر شمال القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى