مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن كمال باشا ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وفي السنة نفسها تسعمائة وخمس وعشرين من الهجرة، عين مدرسا في مدرسة دار الحديث بأدرنه، وعين له كل يوم مئة درهم، ثم أعطاه السلطان سليمان القانوني مدرسة جده السلطان بايزيد خان الثاني للمرة الثانية بمدينة أدرنه وذلك بعد سنة تسعمائة وست وعشرين من الهجرة، ومكث فيها إلى أن صار مفتيا بقسطنطينية أي مفتي الخلافة العلية العثمانية، وبالأحرى شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، وذلك بعد وفاة المولى علاء الدين علي الجمالي الشهير بزنبيلي علي أفندي في سنة تسعمائة واثنين وثلاثين من الهجرة، ولم يزل في منصب الإفتاء إلى أن توفي يوم الجمعة، الثاني من شهر شوال، لعام تسعمائة واربعين من الهجرة، في عهد السلطان سليم القانوني، وقد قام بأداء هذه الوظائف خير قيام، وجمع إلى شخصيته العلمية صنعة الإدارة بِمهارة فائقة، ولم يعجز في القيام بِمهمات القضاء، وقضاء العسكر، والإفتاء، والتدريس، بل قام بِها على أحسن وجه وأكمله.

 

ولقد كان لموقع ابن كمال باشا من القضاة والمفتين والمدرسين في الديار العثمانية أثر كبير في تصحيح الكثير من الأحكام والافتاءات، بل المعتقدات، وحل المشكلات التي كان يعاني منها العامة، وكان يأخذ على عاتقه بيان الصواب، وتصحيح المفاهيم المنحرفة في أعراف العوام وتقاليدهم، ولذلك نرى جملة صالحة من الرسائل تناولت جوانب من معتقدات الناس، وأمور الشريعة والفقه، فدافع العلامة ابن كمال باشا عن عقيدة أهل السنة بشدة أمام خطر انتشار آراء الروافض عن طريق دعاة شاه إسماعيل في الأناضول، وحرّض السلاطين العثمانية على الجهاد ضدهم، وجاهد ضدهم بقلمه وسنانه، وشارك مع السلطان سليم الأول في سفره إلى إيران، وحضر موقعة جالدران، وكتب في بيان فساد معتقداتهم وآرائهم رسالة، وأفتى بكفرهم وارتدادهم، وأن ديارهم دار حرب، وأن نكاحهم باطل، وأن جهادهم فرض عين على جميع أهل الإسلام القادرين على قتالهم.

 

فقال رحمه الله تعالى في رسالته في إكفار الروافض وقد تواترت الأخبار والآثار في بلاد المسلمين والمؤمنين أن طائفة من الشيعة قد غلبوا على بلاد كثيرة من بلاد السنيين، حتى أظهروا مذاهبهم الباطلة، فأظهروا سب الإمام أبي بكر، والإمام عمر، والإمام عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، وأنهم كانوا ينكرون خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وأنهم يستحقرون الشريعة وأهلها، ويسبون المجتهدين، زعما منهم أن سلوك مذاهب هؤلاء المجتهدين لا يخلو عن مشقة، بخلاف سلوك طريق رأسهم ورئيسهم الذي سموه بشاه إسماعيل ويزعمون أن ما أحله شاه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام وبالجملة أن أنواع كفرهم المنقولة إلينا بالتواتر مما لا يعد ولا يحصى، فنحن لا نشك في كفر هم وارتداد هم، وأن ديار هم دار حرب، وأن نكاح ذكورهم وإناثهم باطل بالاتفاق وما ذبحه واحد منهم يصير ميتة، وأن من لبس قلنسوتهم الحمراء المخصوصة بهم.

 

من غير ضرورة كان خوف الكفر عليه غالبا، فإن في ذلك من أمارات الكفر والإلحاد ظاهرا ثم إن أحكامهم كانت من أحكام المرتدين، حتى إنهم لو غلبوا على مدائنهم صارت هي دار الحرب، فيحل للمسلمين أموالهم وأولاد هم، وأما رجالهم فواجب قتلهم إلا إذا أسلموا ويجب أن يعلم أيضا أن جهادهم كان فرض عين على جميع أهل الإسلام الذين كانوا قادرين على قتالهم” ثم ذكر ما يؤيد رأيه في ذلك كله من كتب الفقه المعتبرة، وفي صورة فتوى في حق الروافض يقول ماذا يقول السادة في بيان هذه المسألة هل يجوز قتال طائفة قزلباش شرعا وقزلباش هي كلمة تركية، معناها أحمر الرأس، وكان الترك يطلقونها على حاشية إيران بعد أن صار الغلو في الرفض أساس المذهب عندهم في أيام الصفويين إلى الآن، ولكن قيل هل يكون من قتلهم من جيش الإسلام غازيا، والمقتول على أيديهم شهيدا؟ فكان الجواب نعم، يعتبر غزوة كبرى، وشهادة عظمى.

 

حرره الفقير أحمد، أبو السعود، وهذان التوقيعان لإمامين شامخين، الأول للإمام العلامة ابن كمال باشا، والثاني لتلميذه العلامة أبى السعود، صاحب التفسير الشهير، بل كتب العلامة ابن كمال باشا الرسائل التي أرسلها السلطان العثماني سليمان بن سليم القانوني إلى شاه إيران طاهماسب الأول بيده، وحرض السلطان سليمان على السفر إلى إيران لقطع شره، كما دافع عن عقيدة أهل السنة في مسألة أفضلية النبي صلي الله عليه وسلم على سائر إخوانه من النبيين في فتنة القابض الذي زعم أن نبي الله عيسي عليه السلام أفضل من نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وكان يدعو إلى مذهبه في كل مكان، فدُعي إلى الديوان العثماني لمناقشة مذهبه، وحضر في الديوان القاضي عسكر في ولاية أناطولي المولى عبد القادر الشهير بقادري جلبي، والقاضي عسكر في ولاية روم إيلي محيي الدين محمد بن على بن يوسف بن المولى شمس الدين الفناري، من وراء الستار.

 

فدافع الملا القابض عن رأيه، واستشهد له بالآيات والأحاديث متأولا حسب هواه، ولم يقدر القاضيان بإلزامه بالحجة، بل أفتيا بقتله، دون بيان فساد رأيه بالحجج والأدلة، ولم يوافق هيئة الديوان على فتواهما، فخلوا سبيل الملا القابض، فدعي إلى الديوان في اليوم الثاني، وحضر العلامة ابن كمال باشا شيخ الإسلام في الدولة العثمانية آنذاك بأمر من السلطان سليمان للمناقشة معه، فأبطل العلامة ابن كمال باشا ما تشبث به القابض من الأدلة بالبراهين والأدلة، وألزمه إلزاما لم يستطع أن يدافع عن رأيه، بل سكت واستسلم، وأفتى بزندقته وكفره، فدعي القابض إلى التوبة والإنابة، ولم يجب على ذلك، فقتل في اليوم التالي، وكتب العلامة ابن كمال باشا بهذه المناسبة وفي هذه المسألة، رسالتين، الأولى هي رسالة في أفضلية النبي صلي الله عليه وسلم قال في مقدمتها فهذه رسالة في تحقيق تلك المقالة أي مقالة القابض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى