مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الحلاج ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد ولم يقتل في حياة الجنيد، بل قتل بعد موت الجنيد فإن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين والحلاج قتل سنة بضع وثلاثمائة وقدموا به إلى بغداد راكبا على جمل ينادى عليه هذا داعي القرامطة وأقام في الحبس مدة حتى وجد من كلامه الكفر والزندقة واعترف به مثل أنه ذكر في كتاب له من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتا ويطوف به كما يطوف بالبيت ويتصدق على ثلاثين يتيما بصدقة ذكرها وقد أجزأه ذلك عن الحج، فقالوا له أنت قلت هذا ؟ قال نعم، فقالوا له من أين لك هذا ؟ قال ذكره الحسن البصري في كتاب الصلاة، فقال له القاضي أبو عمر تكذب يا زنديق أنا قرأت هذا الكتاب وليس هذا فيه فطلب منهم الوزير أن يشهدوا بما سمعوه ويفتوا بما يجب عليه فاتفقوا على وجوب قتله، لكن للعلماء قولان في الزنديق إذا أظهر التوبة، هل تقبل توبته فلا يقتل ؟ أم يقتل لأنه لا يعلم صدقه؟ فإنه ما زال يظهر ذلك ؟

 

فأفتى طائفة بأنه يستتاب فلا يقتل، وأفتى الأكثرون بأنه يقتل وإن أظهر التوبة، فإن كان صادقا في توبته نفعه ذلك عند الله وقتل في الدنيا وكان الحد له كما لو تاب الزاني والسارق ونحوهما بعد أن يرفعوا إلى الإمام، فإنه لا بد من إقامة الحد عليهم فإنهم إن كانوا صادقين كان قتلهم كفارة لهم ومن كان كاذبا في التوبة كان قتله عقوبة له فإن كان الحلاج وقت قتله تاب في الباطن فإن الله ينفعه بتلك التوبة وإن كان كاذبا فإنه قتل كافرا، ولما قتل لم يظهر له وقت القتل شيء من الكرامات وكل من ذكر أن دمه كتب على الأرض اسم الله وأن رجله انقطع ماؤها أو غير ذلك فإنه كاذب وهذه الأمور لا يحكيها إلا جاهل أو منافق وإنما وضعها الزنادقة وأعداء الإسلام حتى يقول قائلهم إن شرع محمد بن عبد الله يقتل أولياء الله، حتى يسمعوا أمثال هذه الهذيانات وإلا فقد قتل أنبياء كثيرون وقتل من أصحابهم وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم من الصالحين.

 

من لا يحصي عددهم إلا الله، قتلوا بسيوف الفجار والكفار والظلمة وغيرهم ولم يكتب دم أحدهم اسم الله، والدم أيضا نجس فلا يجوز أن يكتب به اسم الله تعالى، فهل الحلاج خير من هؤلاء ودمه أطهر من دمائهم وقد جزع وقت القتل وأظهر التوبة والسنة فلم يقبل ذلك منه، ولو عاش افتتن به كثير من الجهال لأنه كان صاحب خزعبلات بهتانية وأحوال شيطانية ولهذا إنما يعظمه من يعظم الأحوال الشيطانية والنفسانية والبهتانية وأما أولياء الله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه ولهذا لم يذكره القشيري في مشايخ رسالته وإن كان قد ذكر من كلامه كلمات استحسنها وكان الشيخ أبو يعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته فلما اطلع على زندقته نزعها منه وكان عمرو بن عثمان يذكر أنه كافر ويقول كنت معه فسمع قارئا يقرأ القرآن فقال أقدر أن أصنف مثل هذا القرآن أو نحو هذا من الكلام وكان يظهر عند كل قوم ما يستجلبهم به إلى تعظيمه.

 

فيظهر عند أهل السنة أنه سني وعند أهل الشيعة أنه شيعي، ويلبس لباس الزهاد تارة ولباس الأجناد تارة، وروى الخطيب البغدادي أن الحلاج أنفذ رجلا بين يديه إلى بعض بلاد الجبل، فأقام بتلك البلدة يظهر لهم الصلاح والنسك ويقرأ القرآن، فأقام فيهم مدة على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد عمي، فمكث حينا على ذلك، ثم أظهر أنه قد زمن، وكان أولا يقاد إلى المسجد ثم صار يحمل، فمكث سنة كذلك، ثم قال لهم إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول سيرد على هذه البلدة رجل صالح يكون شفاؤك على يديه، فما كان من قريب حتى كان الوقت الذي واعده فيه الحلاج، ودخل الحلاج البلدة مختفيا وعليه ثياب صوف بيض فلزم سارية من المسجد يتعبد فيه لا يلتفت إلى أحد، فابتدر الناس إلى ذلك المتعامي المتزامن، فقيل له قدم رجل صالح فهلم إليه، فحملوه حتى وضعوه بين يديه فكلمه فعرفه فقال له يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام.

 

وهو يقول لي كذا وكذا، فعسى أن يكون أنت إياه، فرفع يديه ودعا الله عز وجل، والناس حضور متكاثرون ينظرون ماذا يكون من أمره، ففتح الرجل عينيه وقام قائما على قدميه، فضج الناس وعظموا الحلاج تعظيما زائدا، وليس ذلك بحق، فأقام عندهم مدة ثم خرج من بين أظهرهم، وبقي ذلك الرجل عندهم عدة شهور، ثم قال إن من نعمة الله علي أن رد علي بصري وشفاني وينبغي أن أجاهد في سبيله بثغر طرسوس فعزم على ذلك فجمعوا له من بينهم مالا جزيلا ألوفا من الذهب والفضة، ثم ودعهم وودعوه، فذهب إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال، وروي عن بعضهم قال كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات فأحببت أن أختبره فجئته فسلمت عليه فقال لي تشه علي الساعة شيئا، فقلت أشتهي سمكا طريا، فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين، فقال دعوت الله فأمرني أن آتي بالبطائح لآتيك بهذه.

 

فخضت الأهواز وهذا الطين منها، فقلت إن شئت أدخلتني منزلك لأكشف أمرك فإن ظهرت على شيء وإلا آمنت بك، فقال أدخل، فدخلت فلم أجد في البيت منفذا إلى غيره فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا تأزير فكشفته فإذا من ورائه باب فدخلت فخرجت منه إلى بستان هائل فيه من سائر الثمار الجديدة والمعتقة قد أحسن إبقاؤها وإذا أشياء كثيرة معدة للأكل وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثيرة كبار فدخلتها فأخرجت منها واحدة، فنال رجلي من الطين كما نال رجليه وجئت إلى الباب فقلت له افتح قد آمنت بك، فلما خرجت ورآني على مثل حاله جرى ورائي ليقتلني فضربته بالسمكة في وجهه، وقلت يا عدو الله أتعبتني في هذا اليوم ولما خلصت منه لقيني بعد ذلك فضاحكني، وقال لا تفش هذا لأحد أبعث إليك من يقتلك على فراشك، قال فلم أحدث به أحدا حتى صلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى