مقال

الدكروري يكتب عن إنتهاك محارم الله “جزء 3”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إنتهاك محارم الله “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” رواه البخارى ومسلم، وهذا الحديث اعتبره العلماء يمثل ثلث الدين، وهو كذلك، فيقول الإمام أحمد، أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث، حديث “إنما الأعمال بالنيات” وحديث ” من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد” وحديث ” الحلال بيّن” فهذا الحديث في السنة كسورة الإخلاص في القرآن، والحلال بيّن، فقد بدأ به لأنه الأصل، فالأصل في كل شيء الحل حتى تثبت حرمته، ولو تأملت في النعم لوجدتها حلالا إلا ما ندر.

 

وهو بيّن لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بيّنه للناس بأمر من الله عز وجل فقال تعالى فى سورة النحل ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك” رواه ابن ماجة، ثم إن كل ما أحله الله عز وجل للناس تجده قريبا من النفوس السوية، والفطر السليمة، بخلاف الإثم والحرام، فإنه يتردد في الصدر، ويتلجلج في الفؤاد، ويكره المرء أن يطلع عليه الناس، والحرام بيّن، والحرام هو الممنوع، وهو كل ما نهى الله تعالى عنه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى فى سورة الأنعام ” وقد فصل لكم ما حرم عليكم” وبينهما أمور مشتبهات أمور تجمع كل شيء من قول أو فعل، أو أكل أو شرب، أو بيع أو شراء، أو ما عدا ذلك، ثم مشتبهات، والمشتبه هو الأمر الذى لم يظهر للإنسان على حقيقته.

 

ولم يتبين له فيه الصواب أو الحل والحرمة، فلا يعلمهن كثير من الناس ولكن هنالك من يعلمها، فإن من توفيق الله تعالى وفضله على هذه الأمة أنه لا يزال فيها من العلماء الربانيين من يعلمون مراد الله، ويبصرون عباد الله بما وهبهم الله من علم، وآتاهم من حكمة، فمن اتقى الشبهات، فقد اتقى، والتقوى تذكر في القرآن الكريم في أكثر من مائتين وستين موضعا، والجنان أعدت للمتقين, فقال الله تعالى فى سورة القمر” إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر” وعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما سأل أبيّ بن كعب عن التقوى، قال له هل سرت في طريق ذي شوك؟ قال عمر بن الخطاب نعم، قال فماذا فعلت؟ قال شمّرت واجتهدت، قال أبيّ فتلك هي التقوى إذن فاتقاء الشبهات يحتاج إلى صبر ومعاناة ورويّة، وتحسّب لكل خطوة أو قول أو فعل، فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فقد طلب البراءة والنزاهة لدينه.

 

وهو الأساس والأهم، ولعرضه وهو في المرتبة الثانية، فإن المؤمن لا يجوز له أن يعرض عرضه لحديث الناس بما يثيره من الشكوك حوله، فقد يستبرئ الإنسان للدين، ولكنه لا يهتم للعرض، وهذا خطأ فقد يقول في نفسه طالما أنني أعرف نفسي، وأنني لم أرتكب المحرم، فلا عليّ من كلام الناس، فيجلس في أماكن مشبوهة، أو يخالط أناسا مشبوهين، أو يأتى بتصرفات مشبوهة دون اهتمام لكلام الناس، وهذا منهج خاطئ، فإن المسلم إذا ظل طيب السيرة، حسن السمعة، جميل الذكر، فذلك أقوى لوجوده، وأجمل لمنهاجه، وأسرع لقبول دعوته في الناس، فمن ارتكب الشبهات فقد عرض نفسه للتهم والقدح والطعن، ويقول بعض السلف “من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، فالوقوع في الشبهات تيسير وتسهيل للوقوع في الحرام، فكل من وقع في الشبهات سيقع في الحرام لا محالة.

 

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على غاية الحذر والمراقبة والورع، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها” رواه البخارى ومسلم، وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه “كنا ندع سبعين بابا من الحلال، مخافة أن نقع في باب الحرام” وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ” كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام” فانظر إلى هذه المراقبة الحقة، والورع الصادق، ثم انظر إلى حال كثير من الناس اليوم وانهماكهم في الشبهات دون تهيّب أو تخوّف، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك التمرة مع أنه قد يكون بأمس الحاجة إليها من شدة الجوع ولوعته، فقد كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته النار، وهنالك أناس أتخمت بطونهم، وتضخمت أرصدتهم، وهم مع ذلك لا يترددون في التهام ما يبدو أمامهم دون تبصّر لأمر حله وحرمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى