مقال

الدكروري يكتب عن الساعات الأخيرة في حياة الرسول

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الساعات الأخيرة في حياة الرسول

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقفه مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم فهو خاتم النبيين، الأمي المزمل، المدثر النذير، المُبين، الكريم النور النعمة، الرحمة العبد، الرؤوف، الرحيم، الشاهد، المبشّر، النذير، الداعي ، الذى قال صلى الله عليه وسلم ” يا علي، ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرةأن تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم عمّن جهل عليك، والنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، ولذلك لم يستطع أبو سفيان أن ينكر علو نسب الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم مما كان عليه من عداء للرسول قبل إسلامه فقال هو فينا ذو نسب، وثبت الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما رجع من حجة الوداع جعل مرض الموت يشتد عليه يوما بعد يوم وهو في كلمة يتكلمها ونظرة ينظرها يودع هذه الدار ولما اشتدت عليه الحمى.

 

وأيقن النقلة للدار الأخرى، أراد أن يودع الناس فعصب رأسه ثم أمر الفضل بن العباس أن يجمع الناس في المسجد فجمعهم فاستند صلى الله عليه وسلم إليه حتى رقى إلى المنبر ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ولا يقولن قائل إني أخشى الشحناء ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي وإن أحبكم إلي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى بيته وبدأت الحمى تأكل جسده وهو يتحامل على نفسه ويخرج إلى الناس ويصلي بهم حتى صلى بأصحابه المغرب من يوم الجمعة ثم دخل بيته وقد اشتدت عليه الحمى فوضعوا له فراشا.

 

فانطرح عليه وظل على فراشه تكوي الحمى جسده ثم ثقل به مرض الموت وهو على فراشه واجتمع الناس لصلاة العشاء وجعلوا ينتطرون إمامهم صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد هده المرض يحاول النهوض من فراشه فلا يقدر فأبطأ عليهم فجعل بعض الناس ينادي الصلاة الصلاة فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله وقال أصلى الناس؟ قالوا لا يا رسول الله هم ينتظرونك فإذا حرارة جسده صلى الله عليه وسلم تمنعه من النهوض فقال صبوا لي ماء في المخضب وهو إناء كبير فصبوا له الماء وجعلوا يصبون الماء البارد من القرب فوق جسده فلما برد جسده وشعر بشيء من النشاط جعل يشير لهم بيده فأوقفوا الماء عنه فلما اتكأ على يديه ليقوم أغمي عليه، فلبث مليا ثم أفاق فكان أول سؤال سأله أن قال أصلى الناس ؟ قالوا لا يا رسول الله هم ينتظرونك، قال ضعوا لي ماء في المخضب فاغتسل وجعلوا يصبون عليه الماء.

 

حتى إذا شعر بشيء من النشاط فأراد أن يقوم فأغمي عليه فلبث مليا ثم أفاق فكان أول سؤال سأله أن قال أصلى الناس ؟ قالوا لا يا رسول الله هم ينتظرونك قال ضعوا لي ماء في المخضب فوضعوا له الماء وجعلوا يصبون الماء البارد على جسده وأكثروا الماء حتى أشار لهم بيده ثم اتكأ على يديه ليقوم فأغمي عليه وأهله ينظرون إليه تضطرب أفئدتهم وتدمع أعينهم والناس عكوف في المسجد ينتظرونه فلبث مغمى عليه مليا ثم أفاق فقال أصلى الناس ؟ قالوا لا هم ينتظرونك يا رسول الله فتأمل صلى الله عليه وسلم في جسده فإذا الحمى قد هدته هدا ذاك الجسد المبارك الذي نصر الدين وجاهد لرب العالمين ذلك الجسد الذي ذاق من العبادة حلاوتها ومن الحياة شدتها، الجسد الذي تفطرت منه القدمان من طول القيام وبكت العينان من خشية الرحمن، عذب في سبيل الله وجاع وقاتل ولما رأى صلى الله عليه وسلم حاله وتمكن المرض مند جسده التفت إليهم.

 

وقال مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس فيقيم بلال الصلاة ويتقدم أبو بكر في محراب النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي بالناس ولا يكادون يسمعون قراءته من شدة بكائه وحزنه، وانتهت صلاة العشاء، ثم اجتمع الناس لصلاة الفجر فيصلي بهم أبو بكر ويجتمع الناس بعدها للصلوات ويصلي أبو بكر بهم أياما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على فراشه، فلما كانت صلاة الظهر أو العصر من يوم الاثنين وجد رسول صلى الله عليه وسلم خفة في جسده فدعا العباس وعليّا فأسنداه عن يمينه ويساره ثم خرج يمشي بينهما تخط رجلاه في الأرض وكشف الستر الذي بين بيته وبين المسجد فإذا الصلاة قد أقيمت والناس يصلون فرأى أصحابه صفوفا في الصلاة فنظر إليهم، وجوه مباركة وأجسادٌ طاهرة ما منهم أحد إلا وقد أصيب في سبيل الله منهم من قطعت يده ومنهم من فقئت عينه ومنهم من ملأت الجراحات جسده طالما صلى بهؤلاء الأخيار وجاهد معهم وجالسهم.

 

فكم ليلة قامها وقاموها وأيام صامها وصاموها وكم صبروا معه على البلاء وأخلصوا معه الدعاء وكم فارقوا لنصرة دينه الأهل والإخوان وهجروا الأحباب والأوطان منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم هاهو اليوم يفارقهم إلى تلك الدار التي طالما شوقهم إلى سكناها فلما رآهم في صلاتهم تبسم حتى كأن وجهه فلقة من قمر ثم أرخى الستر وعاد إلى فراشه وبدأت تصارعه سكرات الموت فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات وجعلت فاطمة تبكي وتقول واكرب أبتاه فيلتفت إليها ويقول ليس على أبيك كرب بعد اليوم فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء فقال لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل ثم لما ضاق به النفس واشتدت عليه السكرات جعل يردد كلمات يودع بها الدنيا.

 

بل كان يتكلم فيما أهمه ويحذر من صور الشرك ويقول “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اشتد غضب الله على قوم جعلوا قبور أنبيائهم مساجد” وكان من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم” ثم مات صلى الله عليه وسلم، مات سيد المرسلين وإمام المتقين وحبيب رب العالمين، مات وليس أحد يطالبه بمظلمة ولا آذى أحدا بكلمة، لم يتدنس بأموال حرام ولا غيبة ولا آثام، بل كان إلى الله داعيا ولعفو ربه راجيا، يأمر بالصلاة وعبادة الرحمن وينهى عن الشرك والأوثان، فيقول تعالي ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” وكذلك كان الصالحون من بعده صلى الله عليه وسلم يستعدون للموت بالإكثار من الطاعات، والمسارعة إلى القربات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى