مقال

الدكروري يكتب عن الإنتماء للدين والوطن

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنتماء للدين والوطن

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من واجب الأمة الإسلامية أن تحافظ على الوطن وتحميه، وأن تعد له الجيل القوي المتين، عن طريق إعداد الشباب، وتدريبهم، وتعليمهم فهم الحامى الأول والراعي له، وبالإضافة إلى ذلك فإن للوطن حقوقا على الآباء والأمهات حيث يتوجب عليهم أن يعلموا أبناءهم حب الوطن، وأن يغرسوا في قلوبهم القيم والمبادئ التي عليهم إتباعها، ويجب أن يحرصوا على بناء أولاد أقوياء أصحاء، جاهزين لخدمة الوطن في أي وقت كان، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلا، ومن أجله تضحي بكل غالى ونفيس، ويحكى أن جيشا أراد أن يدخل مدينة فوقف عند أطرافها وأرسل عيونه تستقصي عن أخبارها فوجدوا شيخا كبيرا يحتطب الحطب يرافقه فتى صغير فقالوا له أخبرنا عن بلدك.

 

وكم عدد جيشكم؟ وكيف نستطيع أن ندخلها وماهي منافذها؟ فقال لهم سأخبركم كل شيء لكن بشرط أن تقتلوا ‏هذا الفتى قبل أن أقول لكم شيء لكي لايكون شاهدا على ما سأقوله لكم، فقالوا لك ذلك فأخذ أحدهم السيف وقطع عنقه فسال الدم ليملىء الأرض ويشربه ترابها والشيخ العجوز ينظر الى الارض وهي تشرب روح الفتى، فقال لهم أتدرون من هذا الذي جعلتكم تقتلوه؟ قالوا أنت أعلم منا به، قال ‏هذا ولدي، خشيت أن تقتلوني أمامه فتنتزعون منه ماتشاؤون من القول ففضلت أن يُقتل على أن ينطق بحرف واحد يساعدكم في غزو بلدي، فهنا تركه الجنود وهو يحتضن جثة ولده وعادوا أدراجهم وقصوا للملك القصه، فقال الملك أعيدوا الجيش وانسحبوا من هناك، فبلدة يضحي بها الآباء بالأبناء لأجلها‏ لن نستطيع غزوها وإن غزوناها فلن ننتصر، ولابد أن نعرف ما هو تفسيرنا للانتماء إلى دين معين ؟هل هو مجرد تصنيف يكتب في البطاقة أو في شهادة الميلاد ؟ أم هل هو فقط لتحديد مواعيد أعيادنا ؟ أم هل هذا هو الانتماء الديني؟

 

أم إن هذا الانتماء يفرض علينا واجبات كثيرة ؟ إلا يفرض علينا أن نكون سفراء لديننا، بأن نتعلمه، وأن نعرف واجباتنا والفروض، وأن نتبعه، وأن ننشره، وأن نحافظ عليه أم هل كل من تباهى بانتمائه هو بالفعل منتمى، أم إن هناك ما يفرضه علينا ذلك الانتماء، أين نحن الآن من الانتماء إلى ديننا، و ما هو مفهوم هذا الانتماء؟ فقال الله تعالى فى سوة الأنعام ” قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين ” وإذا كنا نعتقد أن الله سبحانه وتعالى الإله الواحد المستحق للعبادة ، فهو سبحانه خالقنا وخالق كل شئ، قد ارتضى لنا الإسلام خاتم الديانات دينا ومحمدا نبيا ورسولا، فإنه يعني هو الدين حتى تقوم الساعة، وبما أنه موحى به من الخالق، فلا يستقيم أن نقول أن هناك أمور طرأت تستلزم ترك النصوص جانبا، فالدين الإسلامي بتعاليمه السمحة صالح لكل زمان ومكانن وقد تعجب كل العجب عندما تتحدث مع بعض الناس عن زمن الصحابة.

 

يسارع في الرد عليك قائلا ليس زمانه يا شيخ وهو لايعلم أن الدين والشرع صالح لكل زمان ومكان، فالانتماء للدين قبل كل شيء، فمن لم ينتمي لدينه ومن هو جاحد لدينه فلن يتعلم الانتماء للوطن وحب الوطن، وإن من أجل ذلك تحمل الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الأوائل الصعاب والمشاق في سبيل نشر الدين الإسلامي وتعرضوا لأشد أنواع العذاب والتنكيل، حتى أن المسلم كان يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم، يشكو قسوة التعذيب، كما روي أن خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعوا الله ؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال صلى الله عليه وسلم” قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل”

 

وفى روايه زاد على ذلك ” والذئب على غنمه ” ولكنكم تستعجلون ” رواه البخارى، ولو نظرنا إلى تاريخنا لرأينا الكثير من الأبطال والمجاهدين الذين سقوا أرضهم بدمائهم، للدفاع عنها، وتحريرها من الاستعمار، فكل هذا نابع من حب الوطن والتضحية من أجله بالدماء والأرواح، فلا يمكن التهاون مع من يسرق الأوطان ويستعمرها، وليس علينا أن نخاف إذا قمنا بإنشاء جيل يضحي بكل ما يملك من أجل الوطن، فهو تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا الذي سيصنع أمجادنا، ويسطرها على مر الزمان تعبيرا عن حب الوطن، فإن حب الوطن، والالتصاق به، والإحساس بالانتماء إليه هو شعور فطري غريزي، يعم الكائنات الحية، ويستوي فيه الإنسان والحيوان، فكما أن الإنسان يحب وطنه، ويألف العيش فيه، ويحن إليه متى بعد عنه، ولأن حب الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه، فإنه ليس من الضروري أن يكون الوطن جنة مفعمة بالجمال الطبيعي.

 

تتشابك فيها الأشجار، وتمتد على أرضها المساحات الخضراء، وتتفجر في جنباتها ينابيع الماء، لكي يحبه أبناؤه ويتشبثوا به، فقد يكون الوطن جافا، أرضه جرداء، ومناخه قاس، لكن الوطن رغم كل هذا، يظل في عيون أبنائه حبيبا، وعزيزا، وغاليا، مهما قسا ومهما ساء، ولكن هل الوطن يعرف حقيقة حب أبنائه له؟ ولكن هل الوطن يعرف حقا أنه حبيب، وعزيز، وغالى على أهله؟ فإن الحب لأي أحد أو أي شيء لا يكفي فيه أن يكون مكنونا داخل الصدر، ولابد من الإفصاح عنه، ليس بالعبارات وحدها وإنما بالفعل، وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحب المكنون له، والوطن لا يختلف في هذا، فهو يحتاج إلى سلوك عملي من أبنائه، يبرهن به الأبناء على حبهم له، وتشبثهم به، وقد قال الشاعر في حب الوطن بدم الأحرار سأرويه وبماضي العزم سأبنيه وأشيده وطنا نضرا وأقدمه لابني حُرّا فيصون حماه ويفديه بعزيمة ليث هجّام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى