مقال

الدكروري يكتب عن أوصيكم بالوالدين 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أوصيكم بالوالدين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن حقوق الوالدين هي تلكم الحقوق التي أمر الله سبحانه وتعالى بها في كتابه الكريم، وحثّ عليها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته، إكراما للوالدين، واعترافا بفضلهما، وبيانا لمكانتهما، وإن من حقوق الوالدين على الأبناء هو الإهتمام بهما عند الكبر، فإن أشد فترة يحتاج فيها الآباء إلى الأبناء عند الكبر والتقدم في السن، حين تحلّ بهم الشيخوخة ويعتريهم الهرم والوهن، حينها يتأكد وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما، فقد يحتاجان إلى من يساعدهما على الأكل والشرب، والنوم والاستيقاظ، والنهوض والجلوس، والخروج والدخول، وعند قضاء الحاجة، وإزالة الأذى، لذا خصّ الله تعالى هذه المرحلة بالذكر في كتابه العزيز، أي إذا بلغ الوالدان الكبر أحدهما أو هما معا، وهما في كنفك وكفالتك، قد صارا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوله، فيجب عليك أن تحنو عليهما وتشفق عليهما، وتعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه.

 

فلا تتأفف ولا تتضجر مما يستقذره الناس، أو تستثقله النفس ولا تزجرهما، ولا تقسو عليهما بالقول وقل لهما قولا لينا جميلا مهذبا وتواضع لهما، وتذلل لهما، وارفق بهما وادعوا لهما برحمة الله الباقية، بعد رحمتك الفانية، جزاء حُسن تربيتهما ورعايتهما لك حين كنت صغيرا، وكما أن من حقوق الوالدين على الأبناء هو الإنفاق عليهما بالمعروف، فواجب على الأبناء أن ينفقوا على آبائهم إن كانوا فقراء محتاجين، أن يسدّوا حاجاتهم من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ودواء، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن والدي يحتاج مالي؟ قال “أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاصم أباه في دَين عليه.

 

فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم “أنت ومالك لأبيك” رواه ابن حبان، فإياك أن تبخل بمالك على والديك، أو تمنّ عليهما بما تعطيه، فإنفاقك عليهما واجب، وليس تطوعا، وهما أحق الناس بعطائك وإحسانك، وكما أن من حقوق الوالدين على الأبناء هو استئذانهما، فعلى الأبناء أن يستأذنوا آباءهم ويحترموا رأيهم ويأخذوا بمشورتهم، فيما يحتاج إلى مشورة واستئذان، فهم أهل التجربة والصدق في النصيحة ولا ينبغي إهمال الوالدين، واحتقار مشورتهما ونصيحتهما، بل ينبغي مشاورتهما وإشراكهما في شؤون الأسرة، فذلك مما يدخل السرور عليهما ويشعرهما بالاهتمام والاحترام، ومن حقهما كذلك استئذانهما قبل الدخول عليهما حماية للعورات، ودرءا للإزعاج والإساءة، ومن حق الوالدين على الأبناء هو الإهتمام بهما عند الكبر، وبرهما بعد الموت، واجتناب عقوقهما والإساءة إليهما، فإذا أردت النجاح في الدنيا والآخرة، فاعمل بهذه الوصايا.

 

وهو أن تخاطب والديك بأدب، وأطع والديك دائما في غير معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتلطف بوالديك ولا تعبس بوجههما، ولا تحدق النظر إليهما غاضبا، وحافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما، ولا تأخذ شيئا بدون إذنهما، واعمل ما يسرّهما ولو من غير أمرهما كالخدمة وشراء اللوازم، والاجتهاد في طلب العلم، وشاورهما في أعمالك كلها، واعتذر لهما إذا اضطررت للمخالفة، وأجب نداءهما مسرعا بوجه مبتسم قائلا نعم يا أمي ويا أبي، وأكرم صديقهما وأقرباءهما في حياتهما، وبعد موتهما، ولا تجادلهما ولا تخطئهما، وحاول بأدب أن تبيّن لهما الصواب، ولا تعاندهما، ولا ترفع صوتك عليهما، وأنصت لحديثهما، وتأدب معهما، ولا تزعج أحد إخوانك إكراما لوالديك، وانهض إلى والديك إذا دخلا عليك، وقبّل رأسهما، وساعد أمك في البيت، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله، ولا تسافر إذا لم يأذنا لك ولو لأمر هام.

 

فإن اضطررت فاعتذر لهما، ولا تقطع رسائلك عنهما، ولا تدخل عليهما بدون إذن، ولا سيما وقت نومهما وراحتهما، وإذا كنت مبتلى بالتدخين، فلا تدخن أمامهما، ولا تتناول طعاما قبلهما، وأكرمهما في الطعام والشراب، ولا تكذب عليهما، ولا تلومهما إذا عملا عملا لا يعجبك، ولا تفضّل زوجتك، أو ولدك عليهما، واطلب رضاءهما قبل كل شيء فرضاء الله في رضاء الوالدين، وسخطه في سخطهما، ولا تجلس في مكان أعلى منهما، ولا تمد رجليك في حضرتهما متكبرا، ولا تتكبر في الانتساب إلى أبيك ولو كنت موظفا كبيرا، واحذر أن تنكر معروفهما أو تؤذيهما ولو بكلمة، ولا تبخل بالنفقة على والديك حتى يشكواك، فهذا عار عليك، وسترى ذلك من أولادك، فكما تدين تدان، وأكثر من زيارة والديك وتقديم الهدايا لهما، واشكرهما على تربيتك وتعبهما عليك، واعتبر بأولادك وما تقاسيه معهم، واعلم أن أحق الناس بالإكرام أمك ثم أبوك.

 

واعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات، واحذر عقوق الوالدين وغضبهما فتشقى في الدنيا والآخرة، وسيعاملك أولادك بمثل ما تعامل به والديك، وإذا طلبت شيئا من والديك فتلطف بهما، واشكرهما إن أعطياك، واعذرهما إن منعاك، ولا تكثر طلباتك لئلا تزعجهما، وإذا أصبحت قادرا على كسب الرزق، فاعمل وساعد والديك، وإن لوالديك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، فأعطي كل ذي حق حقه، وحاول التوفيق بينهما إن اختلَفا وقدّم الهدايا للجانبين سرا، وإذا اختصم أبواك مع زوجتك، فكن حكيما وأفهم زوجتك أنك معها إن كان الحق بجانبها وأنك مضطر لترضيتهما، وإذا اختلفت مع أبويك في الزواج والطلاق، فاحتكموا إلى الشرع فهو خير عون لكم، واعلم أن دعاء الوالدين مستجاب بالخير والشر، فاحذر دعاءهما عليك بالشر، وتأدب مع الناس، فمن سب الناس سبّوه، فقد قال صلى الله عليه وسلم “من الكبائر شتم الرجل والديه، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه” متفق عليه.

 

وأيضا زور والديك في حياتهما وبعد موتهما، وتصدّق عنهما، وأكثر من الدعاء لهما قائلا ” رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” وقائلا ” رب اغفر لي ولوالدي” فردّ المعروف بالمعروف، وقابل الإحسان بالإحسان، وتذكر أنك قد مررت بهذه المرحلة من الضعف والعجز عن كل شيء في صغرك، وكان الوالدان هما من يتولى أمورك ويسد حاجتك ويقوم برعايتك، فلا تبخل عليهما ولا تتكبّر ولا تتضجّر، فقد يطول بك العمر حتى تصير إلى مثل حالهما، فإنها فرصة لمضاعفة الأجر والثواب، والفوز بالنعيم في أعالي الجنان، فهنيئا لمن اغتنم هذه الفرصة بمزيد من البر والمعروف والإحسان، وويل لمن ضيّعها بالكبر والعقوق والحرمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف” قيل من يا رسول الله؟ قال ” مَن أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى