مقال

الدكروري يكتب عن مفرق الجماعات

جريدة الاضواء


الدكروري يكتب عن مفرق الجماعات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لما نزل بالخليفة عبد الملك بن مروان الموت، جعل يتغشاه الكرب ويضيق عليه النفس، فأمر بنوافذ غرفته ففتحت، فالتفت فرأى غسالا فقيرا في دكانه، فبكى عبد الملك بن مروان ثم قال يا ليتني كنت غسالا، يا ليتني كنت نجارا، يا ليتني كنت حمالا، يا ليتني لم أتولي من أمر المؤمنين شيئا ثم مات، فإن الموت هو تلك الحقيقة التي يوقن بها كل عبد، ويعرف أنه منتهي إليها لا محالة، سواء طال عمره أم قصر، فلا بد من ساعة الرحيل، وسكنى ذلك القبر الموحش فقال تعالى “كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” فكم من صاحب قريب كنا نأنس بقربه ونستعذب حديثه، هو الآن في ظلمة القبور لقد تخطانا الموت إليه، ولا بد من ساعة يتخطى غيرنا إلينا، فعلى أي حال سنكون؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم ؟ فلقد خوّفنا الموت بمن أخذ منا ووعظنا بأخذهم أعظم موعظة.

 

وحذرنا أشد تحذير فهل اتعظنا ؟ فما لنا فى كل يوم نشيع غاديا إلى ربه ونرجع وكأن شيئا لم يكن؟ نرجع للغفلة والنسيان وركوب بحر التمني، فإن الموت وعد صادق، وحاكم عادل، وكفى به مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهادما للذات، وقاطعا للأمنيات، فهل تفكرت في يوم مصرعك وانتقالك من سعة إلى ضيق وقد فارقت الصاحب والرفيق وهجرك الأخ والصديق وأخذت من فراشك وغطائك ولين لحافك، وغطوك بالتراب؟ فيا من جمعت الأموال وأسرفت على نفسك بالمعاصي والآثام هل أنقذك مالك من الأهوال؟ كلا بل تركته خلف ظهرك وقدمت بأوزارك على الملك الديان، فسبحان من تعزز بالقدرة وقهر الجبابرة بالموت فروي عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال”أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له أبشر ولي الله برضاه والجنة قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك.

 

واستجاب لمن استغفر لك وقبل ممن شهد لك، وما من ميت يوضع على سريرة فيخطى به ثلاث خطى إلا نادي بصوت يسمعه من يشاء الله، يا أخوتاه، ويا حملة نعشاه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، أترك ما تركت لذريتي، ولا يحملون عني خطيئتي، وأنتم تشيعوني ثم تتركوني، والجبار يخاصمني” فأنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا و جبت له النار، وإنما تثنون على المرء حقا بعد موته وانقطاع أملكم منه فلا ترجونه ولا تخافونه فتجاملونه، والثناء بحسب البينة لا بالأمنية فمن أثنيتم عليه بكثرة ذكر الله وطاعته، وحسن معاملته لعباده وإحسانه إلى مستحقه، وكف الأذى عن ليس أهلا له فتلكم الشهادة بالجنة، ومن ذكرتموه بالغفلة عن الذكر وهجران المساجد، والعقوق وقطيعة الرحم والإساءة إلى الجيران وظلم الخلق والجشع وبذاءة اللسان فتلك شهادة له بالنار.

 

وثبت في مسند الإمام أحمد وغيره قول النبى صلى الله عليه وسلم” ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أهل أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون” فالمؤمن المشهود له بالخير يستريح بالموت من عناء الدنيا وتعبها إلى الجنة وما أعد الله تبارك وتعالى له فيها من كريم المثوبة والرضوان، فإنما يستريح من غفر له وتقبل عمله، وأما الفاجر فإنه إذا مات يفضي إلى السخط والعذاب، ويستريح منه العباد والشجر والدواب فاعتبروا يا أولي الألباب، واستعدوا ليوم الحساب ولا تغفلوا فإنه ليس بمغفول عنكم ولا بد لكم من الإياب فقال تعالى ” إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم ” فالحمد لله الذي أوجد الكون من عدم ودبره، وخلق الإنسان من نطفة فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن ذكرهم للموت.

 

كما كان يوصيهم بأي منقبة أخرى، ومن كان قليل الذكر للموت كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسقطه من عينه كما في بعض الروايات، وعن الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه، لابنه الحسن بن على “يا بني أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك” فكثرة ذكر الموت تجعل من الإنسان دائم الإستعداد للموت، مجانبا للغفلة والسهو واللعب والضحك واللامبالاة، وقد جاء في الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون فقال صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسّعه، ولا في سعة إلا ضيّقه عليه” وعن الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه “أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عما ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم، فكفى واعظا بموتى عاينتموهم”

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أكثروا من ذكر هادم اللذات، فقيل يا رسول الله فما هادم اللذات ؟ قال الموت، فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم له استعدادا ” فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نصلح دنيانا ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا فتلكم وصية من وصايا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لنا ومما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن قوله صلى الله عليه وسلم “أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة التفكر فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة” وقوله صلى الله عليه وسلم “أكثر ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلا أحيا الله قلبه وهون عليه الموت وإنه لا يكون في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا أجزاه” وقوله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها عليه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى