مقال

الدكروري يكتب عن العلاقة بين السنة والقرآن

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العلاقة بين السنة والقرآن

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد جاءت السنة مفسرة للقرآن، وهى تبين مجمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتفصل أحكامه، وتوضح مشكله، فمن الفرائض والأحكام ما جاء في القرآن الكريم مجملة نصوصه، كالصلاة والزكاة، والحج، فلم يذكر في القرآن الكريم هيئاتها ولا تفاصيلها، فبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته الفعلية والقولية، فبيّن في الصلاة عددها وكيفياتها وجميع ما يتعلق بها، وفي الزكاة أنواع ما تجب فيه من الأموال، ومقدار الواجب فيها وما يتصل بذلك، وفي الحج أفعاله، وكيفيته ومناسكه، ومن الأحكام ما جاء النص فيه مطلقا مثل قول تعالى في آية المواريث من سورة النساء ” من بعد وصية يوصى بها أو دين ” فقيدت السنة مطلق الوصية، بأن جعلتها وصية لغير وارث، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ” لا وصية لوارث ” ومن الأحكام ما جاء النص فيه عاما فخصصته السنة، مثل قوله تعالى في سورة النساء ” وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ”

 

بعد بيانه المحرمات، فخصصته السنة بأن أخرجت من عمومه نكاح المرأة على عمتها وخالتها، كما أخرجت منه ما حرم نكاحه بسبب الرضاع، ممن لم يذكر في الآية قبله، وهو ما تناوله قوله صلى الله عليه وسلم ” يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب” كما فصلت السنة كثيرا مما حرمه الله تعالى بمقتضى نصوص القرآن الكريم العامة مثل قوله تعالى في سورة الأعراف ” قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ” إلى غير ذلك من بيانها وتفصيلها للأحكام الشرعية، ثم هي مع هذا البيان إذا أتت بزيادة إذا أتت بزيادة عن القرآن الكريم يجب ألا تتعارض مع أصوله العامة وقواعده الأساسية، بل تدور في محيطه غير متجاوزة نطاقه، وذلك شأن التابع مع المتبوع فكانت بسبب ذلك تابعة له، إذ التفسير تابع للمفسر، مرتبط وجوده بوجوده.

 

ومما جاءت به من ذلك حرمة زواج المرأة على عمتها أو على خالتها، وتحريم لحوم الحمر الأهلية، ولحم كل ذي ناب من السباع، أو ذي مخلب من الطير، وغير ذلك مما يدخل في نطاق قوله تعالى ” ويحرم عليهم الخبائث” وذلك مصداق قوله تعالى في سورة النحل ” وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه ” وقوله تعالى في سورة إبراهيم ” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ” وقوله تعالى في سورة النحل ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” وهذا إلى أن الكتاب مقطوع بوروده جملة وتفصيلا، أما السنة النبوية فمظنونة الورود تفصيلا، ولا يصح القطع بورودها إلا بالنظر إلى جملتها، فإنا نقطع بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقوالا وأفعالا وتقريرات في الأمور الشرعية قد أثرت عنه، وذلك ما أطلق عليه اسم السنة النبوية ولكنا لا نقطع في أي حديث معين منها بأنه قد صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

إلا أن يكون متواترا، ونادر فيها المتواتر، فكان القرآن الكريم لذلك في منزلة أعلى من منزلة السنة من حيث الاطمئنان إلى صحة ورودهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن درجة المظنون دون درجة المقطوع به، وعلى هذا الوضع من تقديم الكتاب على السنة من حيث هو أصل وأساس للدين لما نزل به من أصوله الأساسية وقواعده الكلية، وأهدافه العامة التي بني عليها، فكانت السنة تابعة له ومبينة له لا تختلف عنه، وكان عمل الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنهم أنهم كانوا حينما تعرض عليهم حادثة بحثوا عن حكمها في كتاب الله، فإن لم يجدوا بحثوا عنه في سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجدوا اجتهدوا، وهذا ما ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاذ بن جبل حين أرسله قاضيا إلى اليمن، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له حين ذاك ” بم تقضي؟ فقال معاذ أقضي بكتاب الله، قال صلى الله عليه وسلم “فإن لم تجد؟

 

قال معاذ أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم “فإن لم تجد؟ قال معاذ أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال “الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ” رواه أحمد، والترمذي، ولقد ضرب لنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في القيم والمعاني الإنسانية والخلقية قبل البعثة وبعدها وقد شهد له العدو قبل القريب ونحن نعلم قول السيدة خديجة فيه لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة المحمدية كان مشهورا وملقبا في قريش قبل البعثة بالصادق الأمين، وأما بعد البعثة فقد شهد له ربه بقوله تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم” ولقد شهدت له زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ألصق الناس به، وأكثرهم وقوفا على أفعاله في بيته، بأنه صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، وقال الإمام الشاطبى.

 

وإنما كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن لأنه حكم الوحي على نفسه حتى صار في عمله وعلمه على وفقه، فكان للوحي موافقا قائلا مذعنا ملبيا واقفا عند حكمه، فكان صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، إننا نحتاج إلى أن نربي إنسانا بمعنى الكلمة، نحتاج إلى زرع إنسان يبقى أثره مئات السنين كما قال أحدهم إذا أدرت أن تزرع لسنة فازرع قمحا وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانا، فيجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية لأنها محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة، فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى