مقال

الدكروري يكتب عن المودة والإخاء في الشريعة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المودة والإخاء في الشريعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من توجيهات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحب والود ” والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا” رواه مسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم ” إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه” رواه أحمد و البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم “وإذا آخى الرجل الرجل، فليسأله عن اسمه، واسم أبيه، وممن هو ؟ فإنه أوصل للمودة” رواه الترمذي، ويقول صلى الله عليه وسلم “إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه” رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم “من هجرة أخاه سنة فهو كسفك دمه” رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم “وكفى بك ظلما ألا تزال مخاصما” رواه البيهقي، وقال صلى الله عليه وسلم “من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك محقا كان أو مبطلا” رواه الحاكم، وقال صلى الله عليه وسلم “ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الذين لا يقيلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغفرون ذنبا” رواه الطبراني.

 

وقال صلى الله عليه وسلم “صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا” رواه البزار، وإن هناك في الإنسان جهاز خاص للشفاء الذاتي، لم تأت على ذكره فهارس كتب الطب أو قواميسه، فهناك حالات مرضية مستعصية شفيت بشكل غامض ودون سبب واضح، وهذا الجهاز المسؤول عن الشفاء الذاتي هو جهاز المناعة، وهو من الأجهزة الرائعة التي أبدعها الخالق العظيم عز وجل، ليس لهذا الجهاز مكان تشريحي ثابت، بل هو جهاز جوال، مبرمج على أن يتعرف على أية خلية غريبة عن خلايا الجسد ليقوم بتميزها، وأهم ما في هذا الجهاز ذاكرته العجيبة، فهو لا ينسى أبدا أي سلاح واجه به عدوا من أمد طويل، ولولا هذه الذاكرة العجيبة لما كان هناك من فائدة إطلاقا من التلقيح ضد الأمراض، تصنع عناصر هذا الجهاز في نقي العظام، ويتم إعدادها القتالي في الغدة الصعترية ” التيموس ” معهد إعداد المقاتلين، وعناصر هذا الجهاز.

 

موزعة بين مهمات الاستطلاع وتصنيع المصل المضاد والقتال والخدمات، لكن فيروس الإيدز يدخل إلى الجسم متخفيا بشكل مشابه لعناصر هذا الجهاز، ثم يقضي عليها تماما، لكن من بين عناصر هذا الجهاز فرقة المغاوير، ذات كفاءة عالية جدا، وقد اكتشفت في أواخر السبعينات، وتستطيع عناصر هذه الفرقة التعرف على الخلايا السرطانية، وتتجه إليها وتدمرها، أخطر ما في هذا الجهاز، أن القوة التي تشكله وتطوره وتأمره ليست من داخل الجسم بل من خارجه، إنه الله عز وجل وأخطر ما في هذا الجهاز أيضا أن الاكتئاب، والحزن، والتوتر، والقلق، والحقد، والشدة النفسية، تضعف من قوة هذا الجهاز، وأن الأمل، والحب، والهدوء، والتفاؤل، تقوي إمكانات هذا الجهاز، ومن هنا يعد التوحيد صحة بالمعنى الدقيق للكلمة، ويعد الشرك سببا للخوف والقلق، والخوف والقلق سبب لإضعاف جهاز المناعة الذي أبدعه الله من أجل الشفاء الذاتي.

 

فقال الله تعالى فى سورة الشعراء ” فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعتدين” فابحثوا عن علاقة الراحة النفسية الناتجة عن التوحيد بالشفاء، وعن علاقة الشدة النفسية الناتجة عن الشرك الخفي بالوباء، وعن جابر بن عبد الله، قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، مرتحلا على جمل لي ضعيف، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت الرفاق تمضي أي تسبقني، وجعلت أتخلف لأن جمله ضعيف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ما لك يا جابر ؟ قلت يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا، قال فأنِخه، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمله، ثم قال أعطني هذه العصا من يدك، ففعلت، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخس بها الجمل نخسات أي وخزه بها، ثم قال اركب، فركبت، فانطلق جملي، والذي بعثه بالحق صار جملي يجاري ناقة رسول الله، وتحدث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

قال أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ قلت يا رسول الله بل أهبه لك، قال لا ولكن بعنيهُ، قلت فسُمني به، قال أخذته بدرهم، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، قلت لا، إذن يغبنني رسول الله صلى الله عليه وسلم، درهم قليل، قال فبدرهمين، قلت لا، فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الثمن حتى بلغ الأوقية، فقلت قد رضيت، قال قد رضيت، قلت نعم هو لك، قال قد أخذته، ثم قال لي يا جابر هل تزوجت ؟ قلت نعم يا رسول الله، قال أثيبا أم بكرا؟ قلت بل ثيبا، قال أفلا تزوجت بكرا؟ قلت يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعا، فتزوجت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن، فقال قد أصبت إن شاء الله، ثم قال أخبرت امرأتي الحديث، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت سمعا وطاعة، أي بع جملك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فلما أصبحت أخذت برأس الجمل، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ثم جلست في المسجد قريبا منه، قال وخرج النبي عليه الصلاة والسلام، فرأى الجمل، قال ما هذا ؟ قالوا هذا جمل جاء به جابر، قال فأين جابر ؟ فدعيت له، فقال تعالى يا بن أخي خذ برأس جملك فهو لك، ودعا بلالا فقال اذهب بجابر، وأعطه أوقية، فذهبت معه، وأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا، قال فوالله ما زال ينمو هذا المال عندنا ونرى مكانه في بيتنا، أرأيتم إلى ملاطفته صلى الله عليه وسلم، وإلى رقته، وإلى رفقه بأصحابه، وإلى تواضعه لهم، فهكذا كانت أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، فقال الله تعالى فى سورة القلم ” وإنك لعلى خلق عظيم” وكان من بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام صحابي جليل هو عثمان بن مظعون، وكان عثمان متبتلا غير مشفق على نفسه، حتى لقد همّ ذات يوم أن يتخلص كليا من نداء غريزته، وذات يوم دخلت زوجته على السيدة عائشة رضي الله عنه، فوجدتها عائشة رثَة الهيئة مكتئبة، فسألتها عن أمرها.

 

فقالت إن زوجي عثمان صوام قوام، أي يصوم النهار، ويقوم الليل، فأخبرت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال هذه المرأة، امرأة عثمان بن مظعون فالتقى النبي عليه الصلاة والسلام بعثمان، وقال له يا عثمان، أما لك بي من أسوة ؟ قال عثمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ماذا فعلت ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال عثمان إني لأفعل، قال عليه الصلاة والسلام لا تفعل، إن لجسدك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعطى كل ذي حق حقه، وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت زوجة عثمان إلى بيت النبوة عطرة نضرة، كأنها عروس، واجتمع حولها النسوة اللاتي كانت تجلس بينهن بالأمس رثة بائسة، وأخذن يتعجبن من فرط ما طرأ عليها من بهاء وزينة، قلن لها ما هذا يا زوج بن مظعون ؟ قالت وهي مغتبطة أصابنا ما أصاب الناس، فهى إنسانية النبي عليه الصلاة والسلام لم تحتمل حال زوجة يؤرقها هجر زوجها.

 

فذكر زوجها بما لها عليه من حق، وكان عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق، فمن أقواله المؤكدة لهذه الحقيقة “لأن أمشي مع أخ في حاجته أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا ” وقد سئل صلى الله عليه وسلم” يا رسول الله أي الناس أحبهم إلى الله ؟ قال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وسلم “إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله” رواه الطبراني، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا “من كان وصلة لأخيه إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو إدخال سرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة” رواه الطبراني، ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم “إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العبد و يقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى