مقال

الدكروري يكتب عن نعمة العقل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نعمة العقل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإنسان المحسن إلى الخلق والمخلص في ذلك لا ينتظر تقديرا ولا ثناء من الخلق، فإنه متى فعل الخير وأيقن بأن ربه سبحانه وتعالي يعلمه علما يثيب عليه، هان عليه ما يجده من جحود نكران بعض الناس، للجميل الذى أسداه والمعروف الذى صنعه، فاعلم يا باغي الخير أن مفهوم الخير واسع وليس محصورا، فهو اسم شامل لكل ما ينتفع به المرء عاجلا أو آجلا، وإن العقل من عظيم نعم الخالق على المكلف من عباده المخلوقين إذ بالعقل يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات المحيطة به، وتقول الحكمة العقل السليم في الجسم السليم، وهذا فيما يختص بسلامة الدنيا من أمور العمل والكسب والتعمير، التي قد يتساوى فيها المسلم وغيره، وإن العقل هو الذي يفهم الدين، وهو الذي يتميز به المسلم عن غيره، بل قد يتميز به المسلمون بعضهم على بعض، فمنهم قريب وأقرب، وبعيد وأبعد، فإن الله تعالى اختص العالمين الإنس والجن على غيرهم بالعقل والاختيار.

 

والعلم والإدراك، والتعلم والتعليم، والذوق والتذوق، ويعد الذوق والتذوق من أعظم الميزات التي تميز هذين العالمين عن غيرهما، فمن فسد عنده الذوق والتذوق، نزل إلى أحط المنازل، غير أنه يمشي على رجلين، وله رأس تحمل عينين، وأنفا وأذنين، تماما مثل الآدميين، حيث قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون” فإذا فقد الإنسان العقل السليم الذي يقوده إلى الخير، ويبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئا بل إنها خير منه، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها” أي دنيئها وخسيسها، رواه الحاكم، وقال ابن حبان وإن محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها، هو نفس العقل، فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، وينفي الفاقة، ولا مال أفضل منه، ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله.

 

وهو من أفضل مواهب الله لعباده، وهو دواء القلوب، ومطية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا، ولا المال يرفعه قدرا، ولا عقل لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذة دنياه، فإن العقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجاته يسمى أديبا، ثم أريبا، ثم لبيبا، ثم عاقلا، أي تناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه، ويقال إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه وهو ابن الأربعين، وإن حد العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل، وقد نص الله عز وجل في كتابه على أن من عصاه لا يعقل، فقال تعالى فى سورة الملك ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير” وإن حد الحُمق هو استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف.

 

وقد أمر الشرع باستعمال العقل وعدم تعطيله، بل ذم من لا يتفكر بعقله الأمور، ولا يتدبر في الآيات مِن حوله، وتوعده بويل، فعن عطاء قال “دخلت أنا وعبيد بن عمير على السيدة عائشة رضى الله عنها، فقالت لعبيد بن عمير قد آن لك أن تزورنا، فقال أقول يا أماه كما قال الأول ” زر غبا تزدد حبا” قال، فقالت دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فسكتت، ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال “يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي” قلت والله، إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته، قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال يا رسول الله، لِما تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال “أفلا أكون عبدا شكورا؟

 

لقد نزلت عليّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” إن فى خلق السموات والأرض” رواه ابن حبان، وإن كان في الحديث كلام، فإن الآية بنفسها دالة على التفكر فهي دعوة الله تعالى للتفكر، ولما كان للعقل جموح وخروج عن الحق والصواب يصل بصاحبه إلى السفه والشقاء، فقد ألزمه الحكيم الخبير بحسن التصرف والتدبير، فأمره بأن يقنع بردّ علم ما لا يعلم إلى عالمه، حتى يسلم في دينه، فإذا كان من العقل أن يُسلم الرجل نفسه للطبيب فيما لا يعلم، حتى يتحقق له الشفاء والسلامة في بدنه، وتتم له العافية على سبيل الظن، وكما يسلم كل شيء إلى صانعه ومخترعه، ومراكز خدمة صيانته المتخصصة فيصبح من البديهي المُسلم به والأولى أن يسلم عقله وكل جوارحه إلى إلهه ومولاه، إلى خالقه وموجده من عدم، وكم تثار فكرة حديثة قديمة حول شأن العقل وحكمة.

 

حتى وصلت إلى حد الجدلية المفتعلة بين العقل والنقل، وأصلا لو فهمت ماهية العقل، لما أثير هذا الجدل ولكن القصور في العقل قد لا يمكن صاحبه من فهم المراد في الشريعة، وبذلك قد تنشأ المشكلة، فكل صاحب عقل يحتاج إلى أدوات لفهم النقول والنصوص، وهذا لا يتحقق إلا بالعلم الأصولي لا بل هناك أشياء قد تفهم بطريق الفطرة السوية التي فطر الله بها الخلق ولكن الانجراف وراء الأهواء قد يحرف العقل عن مساره الفطري، فالعقل في نظر العامة من الناس يعتبر بمثابة ملكة تميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى، وذلك على مستوى السلوك والتفكير، وتختلف هذه الملكة من شخص لآخر، حيث قال الله تعالى فى سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين الإنسان العاقل والفاقد للعقل، أو مختله أو ناقصه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى