مقال

الدكروري يكتب عن التفريط في المصلحة العامة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التفريط في المصلحة العامة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن المال العام والمحافظة عليه لا يشملان النقد فقط بل حتى الأشياء العينية فلا ينبغي لمن أعطاه الله سلطة أن يستغل ما أعطاه الله من سلطة لتحقيق مزايا شخصية من دون وجه شرعي كاستغلال المركبات والمنشآت لمصالحه الشخصية، وكأنها كلأ مباح له، وإن من الاعتداء على المال العام هو تواطؤ بعض المسؤولين عنها مع بعض ضعفاء النفوس من القطاع الخاص للتغاضي عن أخطائهم في تنفيذ العقود مقابل مصالح مشتركة، بل وقد يظلمون التاجر الذي لا يتواطأ معهم فيقدمون غيره عليه، وهذا تفريط في المصلحة العامة، ومن صور الاعتداء على المال العام هو تساهل بعض الناس في صيانة هذه المنشآت وعدم العناية بها، حتى تندثر بسرعة، أو تتكلف أموالا طائلة للصيانة، أو تستهلك بسرعة زمنية من غير حاجة، كذلك من الاعتداء على الصالح العام هو استغلال السلطة بتوظيف مَن لهم علاقات بهم وتقديمهم على غيرهم، مقابل مصالح شخصية أو مبالغ مالية.

 

فلا شك أن هذا من الظلم واستغلال السلطة في غير موضعها، وإن المحافظة على المال العام ليست منوطة بالمسؤول عن المنشأة فقط بل بجميع منسوبي هذه المنشأة، وقد يأتي الخلل من الصغار قبل الكبار، فعلى الجميع المبادرة بالمحافظة على المال العام كالمحافظة على المال الخاص، محتسبين الأجر من الله عز وجل فالمال العام تعلق به ذمم جميع أفراد الأمة، فإن الأمانة أمرنا الله بحفظها ورعايتها والقيام بها وأدائها إلى أصحابها، وجعلها من صفات المؤمنين، فقال تعالى “والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون” وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أداءها والقيام بها إيمان، وأن تضييعها والاستهتار بها وخيانتها نفاق وعصيان فقال صلى الله عليه وسلم “لا إيمان لمن لا أمانة له” فمن حرم الأمانة فقد حرم كمال الدين، وعكس الأمانة الخيانة ومن تلبس بها فبئس البطانة، وأن فيه خصلة من خصال المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم.

 

“آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان” رواه البخاري، وإذا ضاعت الأمانة سفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وأكلت أموال المسلمين بالباطل، وأعظم ما تكون به خيانة الأمانات إذا كانت خيانة لله ورسوله ولمصلحة المسلمين، فقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا آماناتكم وأنتم تعلمون” وقد نزلت هذه الآية في أحد الصحابة، قد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فقصر فيه، وهكذا تضيع الأمانة من قبل من وكلت إليهم المسؤوليات والمشاريع، فإذا هم خونة للأمانة، وغششه للراعي والرعية، وهذا من أعظم الذنوب، ونجد الأمانة في تنظم شئون الحياة كلها، من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة، وتكافل اجتماعي، وخلق كريم، والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس.

 

استدان ابن لعمر بن الخطاب من أبى موسى الأشعري رضي الله عنهما حين كان واليا على الكوفة أموالا من خزينة الدولة ليتاجر بها على أن يردها بعد ذلك كاملة غير منقوصة، واتجر ولد عمر فربح، فبلغ ذلك عمر فقال له إنك حين اشتريت انقص لك البائعون في الثمن، ولما بعت زاد لك المشترون في الثمن، لأنك ابن أمير المؤمنين، فلا جرم إن كان للمسلمين نصيب فيما ربحت، فقاسمه نصف الربح، واسترد منه القرض، وعنفه على ما فعل، واشتد في العقاب على أبى موسى لأنه أسرف من أموال الأمة، ما لا يصح أن يقع مثله، فإن الأمانة هي الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها، ويستعينون بالله على حفظها، كما ورد في الدعاء للمسافر “استودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك” وعن أنس رضي الله عنه قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” رواه احمد، بل كان يستعيذ من ضياعها.

 

كما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة” وإن الأمانة في نظر الشرع صفة واسعة الدلالة، فهي بإيجاز شعور المرء بمسؤوليته في كل أمر يوكل إليه، وبعض الناس يقصرون فهم الأمانة في أضيق معانيها، وهو حفظ الودائع، وحقيقتها في دين الله أضخم وأجل، فمن معاني الأمانة وضع الشيء في المكان الجدير به واللائق له فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبات والقرابات، انظروا إلى أبى ذر حين قال يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال فضرب يده على منكبي، ثم قال يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى