مقال

الدكروري يكتب عن فلنحيينه حياة طيبة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فلنحيينه حياة طيبة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻫﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﻬﺎ هو ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺬﺍﺑﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﺜﻼﺙ، فإنه ﻳﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ، فإنه لا ينقضي عجب المرء من فتنة الدنيا لأهلها مع علمهم بخداعها لهم، ومع جزمهم بنهايتها العاجلة، وأنها مجرد شهوة يعقبها حسرة، ولقد وصف الله عز وجل الدنيا بأبلغ عبارة لم تبق للمرء شك في حقارة الدنيا، وأنها غرور وسراب زائل، ويقول الله جل وعلا فى سورة النحل، واعدا عباده المؤمنين، ومحرضا لهم على هذا المنهاج القويم “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” فهذا وعد من الله الكريم، وعد من الله الذي قال عن نفسه فى سورة النساء “ومن أصدق من الله حديثا” وعد من الله سبحانه وهو صادق الوعد جل وعلا.

 

وعد مضمن لقسم منه سبحانه، وهو الصادق عز وجل ولو لم يقسم، ولكنه ضمّن فيه القسم “فلنحيينه حياة طيبة” لتعظيم هذا الأمر وإجلاله، فيقول تعالى “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى” وقول ربنا سبحانه في هذه الآية “من عمل صالحا” فقول من هذه مفيدة للعموم، عموم الخلق جميعا من المكلفين، لكن جاء أيضا بيان أوضح وأكمل، فقال الله تعالى ” من ذكر أو أنثى” مع أنه لو قيل “من عمل صالحا وهو مؤمن” شمل الذكور والإناث، لكن لما كان المقام مقام وعد وتقريب، ومقام امتنان وتفضل حتى لا يرد إلى الأذهان أن صنفا من الناس خارج من هذا الوعد العظيم، فقال الله تعالى “من ذكر أو أنثى” وأما من عمل صالحا، وهنا يُبحث في معنى قول ربنا سبحانه “من عمل صالحا ” ولكن ما هو العمل الصالح؟ إنه العمل الذي انتظم ثلاثة من الأركان، فالأول هو أن يكون على عقيدة صحيحة، عقيدة سالمة مما يشوبها من الشرك بالله جل وعلا.

 

أو الاعتقادات الباطلة الذي يضمحل معها الإيمان، ولا يستبين بها السبيل، وتخالف ما جاء به الأنبياء والمرسلون، والقاعدة والأصل الثاني الذي يقوم عليه هذا العمل الصالح أن يكون مبتغا به وجه الله، لا بد من الإخلاص في أن يبتغى بهذا العمل رضا الله سبحانه وتعالى، والركن وهو الثالث أن يكون هذا العمل الذي يتعبد به العبد لربه على وفق ما جاء به نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا توضحه الآية الأخرى في سورة الكهف عندما قال الله تعالى ” فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالاحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا” وقال الفضيل بن عياض بأن العمل الصالح هو ما كان مضمنا هذين الأصلين أن يكون صوابا، ما كان صوابا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُبتغا به وجه الله “فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا” على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه “ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”

 

وهو الإخلاص لله جل وعلا، وهذا العمل كما تقدم تكون فيه المتابعة لكتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فمن جاء بذلك، فهو الموعود وعدا حسنا من ربنا جل وعلا، ولذلك جاء التقييد أيضا “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن” فالإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة، شرط في صحتها وفي قَبولها، بل إنها لا تسمّى أعمالا صالحة إلا بالإيمان، هذا الإيمان الذي يقتضي قيامه على ما جاء الأمر بالإيمان به من الإيمان بالله وبكتبه وبرسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ويكون تصديقا جازما مثمرا لأعمال صالحة محبوبة عند ربنا جل وعلا، فيقول تعالى “فلنحيينه حياة طيبة” وهنا بحث العلماء ما المراد بالحياة الطيبة؟ وما المقصود بها؟ وهل هي في الدنيا؟ أم هي في القبر؟ أم هي في الآخرة؟ والذي يظهر والله أعلم أن المراد بالحياة الطيبة هنا في هذه الحياة الدنيا لأن الله تعالى قال في تمام الآية الكريمة.

 

“ولنجزينهم أجرهم” يعني في الآخرة، فإن في الحياة الدنيا لهم الحياة الطيبة، والحياة الطيبة هذه جاءت الشريعة لتهذب أفهام الناس فيها، وفي مفهومها، فهي شاملة لوجوه الراحة من أي وجه كان، وقد رُوي عن بعض العلماء تفسير لمعنى هذه الحياة الطيبة، فرُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن جماعة من الصحابة والتابعين، أنهم فسروا الحياة الطيبة بالرزق الحلال الطيب، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسّر الحياة الطيبة بالقناعة، وروي عن علي بن أبي طلحة أنها فسّرت بالسعادة، وروي عن الحسن وغيره من العلماء، قالوا لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة، وهذا مصير منهم لأن الحياة الطيبة المرادة هنا، هي الحياة الطيبة في الآخرة، ورُوي عن الإمام الضحاك رحمه الله أنه قال الحياة الطيبة هي الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا، والذي يظهر والعلم عند الله أن ذلك كله داخل في مفهوم الحياة الطيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى