مقال

الدكروري يكتب عن حضارة بهرت العالم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حضارة بهرت العالم

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

 

لقد كانت الأخلاق في حياة المسلمين سببا رئيسا لعزتهم وقوتهم ومنعتهم وسعادتهم، فعاشوا فيما بينهم حياة يسودها الحب والتعاون والاحترام المتبادل، فأسسوا حضارة بهرت العالم، وذلك لأن أي حضارة لا تقوم إلا على دعامتين أساسيتين، وهما علمية وأخلاقية، وأما العلمية فهى تنتج التطور والازدهار والرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي، وأما الأخلاقية ينتج عنها الأمانة والإخلاص والإتقان والشعور بالمسؤولية وتقديم النفع وحب الخير، فإذا ما ذهبت هاتان الدعامتان أو إحداهما انهارت الحضارات وتفككت المجتمعات وحلّ البلاء بأهلها، ويحكى أن أحد الأثرياء كان لديه خادم يحرس القصر الذي يسكن فيه ذلك الثري, فكان هذا الثري في قصره الكبير لا يحس بطعم الراحة فهو مريض يتناول الأدوية قبل الأكل وفي وسطه وفي آخره.

 

بل يظل طوال الليل يتقلب من الألم ولا يستطيع النوم، وذاك الخادم الفقير يسكن بجوار باب القصر في غرفة صغيرة هو وزوجته وأولاده, فيظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويصفقون ويغنون, فقال الثري في نفسه هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة فما بالهم لو كان معهم بعض المال, فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس سأعطيك كل يوم خمسون جنيها تشترى بها بيضا وتجلس تبيعه أما القصر ونتقاسم المكسب، وفي الليلة الأولى سمعهم يضحون ويغنون ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة وليس إلى منتصف الليل, وفي الليلة الثانية سكتت أصواتهم بعد العشاء مباشرة، وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشجار والصراخ, ثم دخل عليه ذلك الحارس المسكين ومعه ما تبقى من البيض وما كسب من مال، وقال له يا سيدي هذا بيضك ومالك.

 

ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والغناء , فلقد أفسد علينا المال سعادتنا، وإن هناك أيضا وهم السعادة في المنصب والجاه، وقد يظن البعض أن السعادة في الجاه والسلطان والمناصب والولايات، وهذا فهم وظن خاطئ أيضا، فأهل الجاه والسلطان والمناصب البعيدين عن الله، هم في شقاء وتعاسة وهم ونكد وعناء وهم وبلاء ، ومع ذلك لا راحة ولا أمن، فتأملوا عباد الله في أحوال الخلفاء والملوك كيف فقدوا السعادة، فقال هشام بن عبد الملك وهو الخليفة “عددت أيام سعادتي فوجدتها ثلاثة عشرة يوما”وكان أبوه عبد الملك يتأوه ويقول يا ليتني لم أتولى الخلافة، فكان سعيد بن المسيب يقول عندما يسمع هذا الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا، ولا نفر إليهم، فكم من منصب قتل صاحبه, وكم من إمارة كانت وبالا ونكالا على طالبها, وإن من الأسباب المؤدية إلى السعاة والهناء.

 

في الدنيا والآخرة، هو الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان بالله تعالى المصدر الرئيس لتلك السعادة المنشودة و قد قرر الله تعالى تلك الحقيقة في غير ما آية من كتابه الكريم وهى تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآيات هى حياته في الدنيا حياة طيبة وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة هى حياته في الجنة في قوله تعالى فلنحيينه حياة طيبة” صار قوله تعالى “ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” تكرارا معه لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا فإنه يصير المعنى فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولتجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعملن وهو واضح، وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه ” رواه مسلم.

 

وعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” قد افلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به” رواه الترمذي، ويذكر أن زوجا قال لزوجته بغضب لأشقينك فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني، فقال الزوج في حنق وكيف لا أستطيع؟ فقالت الزوجة في ثقة، لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي ، وأيضا من أسباب السعادة هو الإكثار من ذكر الله تعالى والشعور بمعيته دائما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى