مقال

الدكروري يكتب عن تحصيل لذة العبادة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تحصيل لذة العبادة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه ما أجمل السماحة عندما يُخطئ عليك إنسان ولا ترد عليه، يعتدي على حقك ولا تعتدي عليه، فيقول الله تعالي في سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” فهذه صفات أهل السماحة، فهم مسامحون، حتى على من أخطأ عليهم، مسامحون، ما أجمل هذا والله، وصديق هذه الأمة، أبو بكر رضي الله تعالى عنه، كان يتصدق على رجل فقير من قرابته، كان ينفق عليه، فلما وقعت حادثة الإفك، كان هذا الرجل ممن خاض في عرض ابنة الصديق رضي الله عنها، وتكلم بالظلم والخطأ، فلما برأها الله من فوق سبع سماوات، وإذا بصديق الأمة يعيد عليه صدقته ونفقته، على هذا الفقير من أقاربه، أيّ سماحة هذه وقد فعل ما فعل، أتدري لماذا؟ لأن الله قال له ” وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم”

 

حتى لو كنت قد أحسنت له بهذا الإحسان، وهو أساء إليك بهذه الإساءة، ولكن ما هى أسباب تحصيل لذة العبادة التي كان يجدها أمثال ابن تيمية رحمه الله؟ فنقول ذلك فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء ولكن له أسباب منها كثرة قراءة القرآن الكريم، فإن كثرة قراءة القرآن تلين القلب، فقال ابن عبدالقوي رحمه الله وواظب على درس القرآن فإنه يلين قلبا قاسـيا، ومنها أن يكون الإنسان قلبه دائما متعلقا بالله معرضا عما سواه, متجنبا للقيل والقال, وكثرة السؤال, ومنها أن يحضر قلبه عند العبادة بحيث لا يفكر ولا يوسوس, بل يكون قلبه حاضرا يتأمل ما يقول وما يفعل من عبادة الله عز وجل، وتصور أنه يناجيك الله عز وجل وأنت في صلاتك, ويسمعك من فوق سبع سموات، ويرد عليك, إذا قلت الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم.

 

قال الله تعالى أثني علي عبدي, وإذا قال، مالك يوم الدين قال مجدني عبدي, والتمجيد هو التعظيم, فهل نشعر ونحن نصلي بهذا ؟ فإن الشكوى لله عز وجل, أكثرنا وأكثر أوقاتنا أننا لا نشعر بهذا, فنقرأ الفاتحة على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها, لكننا لا نشعر بهذه المعاني العظيمة وهى أننا نناجي الله عز وجل من فوق سمواته، فيقول حمدني عبدي فمن يشعر بهذا يجد لذة عظيمة للصلاة, ويجد أن قلبه استنار بها, وأنه خرج منها بقلب غير القلب الذي دخل فيها به، فإذا شعر الإنسان بأنه مفتقر لربه فسيجد حلاوة العبادة، وقد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحُجّاج والصائمين والمتصدقين والمصلين, وهي انشراح الصدر, وسرور القلب, ونور الوجه، فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها, بل هي ظاهره وباطنه أيضا.

 

وذكر بعض السلف أن من علامات قبول الحسنة أن يوفق الإنسان لحسنة بعدها, فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول, ومن عليه بعمل آخر يرضي به عنه، ومن أتى بالعبادة على الوجه المشروع فليستبشر خيرا، والواجب على المرء إذا أتى بالعبادة على الوجه المشروع إخلاصا لله ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يستبشر خيرا, وأن يقول اللهم كما مننت عليّ بالعمل فامنن عليّ بالقبول, ولا ييأس, بل يفرح, وقد جاء في الحديث “من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن” وهذا شهادة من الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإنسان إذا فعل الحسنة وسُرّ بذلك وفرح وانشرح صدره, وإذا عمل سيئة اغتم لذلك, فذلك هو المؤمن بنص كلام الرسول علية الصلاة والسلام، وهو استشعار المرء أنه من حين يدخل في الإحرام إلى أن يحلّ منه وهو في عباده.

 

وليعلم أن المرء من حين يدخل في الإحرام إلى أن يحلّ منه فهو في عباده, في ليله ونهاره, ونومه ويقظته, وقيامه وقعوده, فليشعر بذلك شعورا تاما، حتى يحصل له زيادة الإيمان, والرجوع إلى الله عز وجل, فإن ذلك من أهم الأمور التي ينبغي للإنسان أن يعتني بها، وإن العبادة التي تخفى حكمتها أبلغ في التعبد، فإن جميع أوامر الشرع ونواهيه حكمة, ولا حاجة أن نعرف العلة, لأننا نعلم أن الله حكيم, وأنه ما شرعه إلا لحكمة, وما موقفنا من الأوامر والنواهي إلا أن نقول ” سمعنا وأطعنا ” فإن تيسير لنا معرفة الحكمة فهذه منة من الله عز وجل, ومساعدة ومعونة من الله, حتى يطمئن القلب ويقوى الإيمان, وإن لم تتبين فالمؤمن يكفيه أن هذا حكم الله عز وجل ولذلك ربما تكون العبادة التي تخفى حكمتها أبلغ في التعبد, لأن الشيء إذا علمت علته قد يكون عقلك يأمرك به لكن إذا كنت لا تعرف العلة فإن تذللك لله به وعبادتك إياه أبلغ في التذلل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى