مقال

الدكروري يكتب عن الغرض من الهجرة إلي الحبشة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الغرض من الهجرة إلي الحبشة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا يُريدون حفظ أنفسهم في مكان آمن، حتى لا يُستأصل الإسلام بالكلية إذا تعرض المسلمون في مكة للإبادة، ولم يكن الغرض هو إقامة حكومة إسلامية في الحبشة بل كان المسلمون مجرد لاجئين إلى ملك عادل، أما الهجرة هنا فكان الغرض منها إقامة دولة إسلامية تكون يثرب هي المركز الرئيس لها، ولكن لماذا تصلح يثرب لإقامة الدولة الإسلامية ولا تصلح الحبشة؟ فإن هذا ليس راجعا إلى عامل البعد عن مكة، أو اختلاف اللغة، أو اختلاف التقاليد فقط، وإن كانت هذه عوامل مهمة، ولكن قيل أن الاختلاف الرئيسي هو أن الاعتماد في الحبشة كان على رجل واحد هو النجاشي الملك الذي لا يُظلم عنده أَحد، فإذا مات هذا الرجل أو خُلع فإن المسلمين سيصبحون في خطر عظيم، وقد كاد يحدث ذلك وذلك عندما دارت حرب أهلية.

 

كاد النجاشي يفقد فيها ملكه، فما كان منه إلا أن يسّر سبيل الهروب للمسلمين المهاجرين عنده فقد كان لا يملك لهم شيئا أكثر من ذلك، وكان هذا هو الوضع في الحبشة، أما في يثرب فالهجرة لم تكن تعتمد على رجل معين بل تعتمد على شعب يثرب وجيشها، والجو العام هناك صار محبا للإسلام، أو على الأقل أصبح قابلا للفكرة الإسلامية ومن ثَم كانت الهجرة إلى هناك هجرة جماعية كاملة، وإن الهجرة لم تكن عشوائية، فكما نلحظ أيضا في هذه الهجرة الجديدة أنها لم تكن عشوائية بل كانت بأمر القيادة النبوية إلى مكان محدد، وهذا الذي أدى إلى نجاح الفكرة، وقيام الأمة، أما أن يهاجر فلان إلى مكان كذا، ويهاجر آخر إلى مكان غيره، ويتفرق المسلمون، فهذا وإن كان يكتب نجاة مؤقتة للأفراد فإنه لا يقيم دولة، وعلى المسلمين الفارّين بدينهم من ظلم ما أن يفقهوا هذا الأمر جيدا.

 

فالهجرة النبوية إلى يثرب كانت هجرة منظمة مرتبة، أعد لها بصبر وبحكمة، وبسياسة وفقه، والعشوائية ليست من أساليب التغيير في الإسلام، فبعد أن كسر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه صنم قريش، ذهبا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرّف الرسول صلى الله عليه وسلم عليّا رضي الله عنه بالودائع وأصحابها، ونام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، وهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج قبل أن تأتي قريش ولكن كانت المفاجأة لقد قدم أهل مكة مبكرين، وحاصروا البيت النبوي، وصرنا على أبواب أزمة كبيرة، فلقد استنفد الرسول صلى الله عليه وسلم الوسع في الخطة، هو والصديق رضي الله عنه ولكن الطابع المميز لخطط البشر أنها لا تصل إلى الكمال.

 

فلا بد من ثغرات في الخطط البشرية ولكن إذا كان المرء مستنفدا وسعه الحقيقي فإن الله تعالى يسد هذه الثغرات بمعرفته، ويُكمل العجز البشري بقدرته، أما إذا لم يأخذ المرء بكل الأسباب الممكنة فإن الله عز وجل لا يسد هذه الثغرات، ولا يُكمل هذا العجز، فهذا لا يكون توكلا على الله، بل تواكلا، وشتان بين التوكل والتواكل، ولكن ماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الحرج، وعشرات السيوف تحيط بالبيت، والقرار ليس الحبس والمحاكمة بل لقد صدر الحكم فعلا بالقتل، وهم قد جاءوا للتنفيذ، فماذا يفعل في هذا الموقف العصيب؟ فلقد نزل الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمئنه، ويأمره بالخروج وسط المشركين دون خوف ولا وجل، فسوف يأخذ الله تعالى بأبصارهم وبالفعل خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة.

 

ليلة السابع والعشرين من صفر من السنة الرابعة عشر من النبوة ، وهو يقرأ صدر سورة يس، وإمعانا في السخرية من المشركين، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب، ووضع جزءا منها على رأس كل مشرك يحاصر بيته، وهم لا يشعرون، ثم انطلق بسرعة إلى غار ثور، وكان من الممكن أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من البيت قبل قدوم المشركين لكن الله سبحانه أراد ذلك لإثبات أن الأمر كله بيده عز وجل، وأنه دون توفيقه تعالى لا يتم أمر من الأمور، وأيضا ظهرت المعجزة البينة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى