مقال

الدكروري يكتب عن القضاء في المساحد 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن القضاء في المساحد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد توفرت في زماننا بنايات خاصة بالمحاكم، وتغيرت الإجراءات التي كان يتعبها النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده في القضاء داخل المسجد، واكتفى الناس بدور المحاكم وفض النزاعات بعيدا عن المساجد، وهذا شيء جيد لصيانة لبيوت الله عن أمور كثيرة، ولكن إذا وافق أن كان القاضي في المسجد، ففصل في المسألة في وقتها في المسجد فإن ذلك من الجائز، والخلاصة أنه قد علم أن القضاء في ذلك الزمان هو مجرد سماع قول الخصمين، ثم الفصل بينهما بكلمة أو كلمتين، وتنتهي القضية بدون مجادلات، ورفع أصوات، وتسجيل توقيعات، كما في هذه الأزمنة، وقد يكون سبب حكمهم في المسجد عدم توفر بناء خاص بالمحاكم، حيث إن القاضي يجلس في بيته.

 

وقد يضيق بالخصوم المنزل، فيحتاج إلى الجلوس في المسجد، وقد يكون العذر هو تمكن المرأة والضعيف من الوصول إليه للإدلاء بالحجة، وسماع الدعوى، وتحذير الكاذب من امتهان المسجد بالحلف الفاجر، وأما في هذه الأزمنة فقد خصصت محاكم مهيأة للجلوس فيها، وإحضار الخصوم، وتيسر للمظلوم والضعيف الوصول إلى القاضي، وعلى هذا تنزه المساجد عن هذه المرافعات، والجدال والنزاع، حتى يعرف للمساجد مكانتها وشرفها، وإن المجتمع الإسلامي وهو في طور التكوين في حاجة إلى معرفة كثير من الحقائق والأمور التي تكشف لأفراده حقيقة هذا التكوين، وإذا علمنا أن الرسالة المحمدية رسمت الطريق لقيام هذا المجتمع الإسلامي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستقبل الأوامر.

 

من ربه عن طريق الوحي، فإذا علمنا هذا يتبين لنا أهمية الوسيلة التي تصل بها هذه الأوامر إلى الناس في ذلك المجتمع، ولن تكون هناك وسيلة أقوى وأنجح من المسجد، إذ أن المسلم يرتاد المسجد في اليوم والليلة خمس مرات، ويجتمع المسلمون جميعا في المسجد يوم الجمعة، وفي المسجد تملى الأوامر، وتبلغ إلى المسلمين على هيئة آيات يتلوها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أحاديث يبلغها إليهم، أو توجيهات وإرشادات يشير إليها صلى الله عليه وسلم، ولقد كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي هذا الدور الإعلامي إلى جانب إقامة الصلاة فيه، وإلى جانب الأدوار التربوية الأخرى، سواء الاجتماعي، أو التعليمي، أو الصحي، أو العسكري، أو الخلقي، فمن الحق أن يقال إن الأحاديث النبوية الكريمة.

 

وإن الخطب قد أتت على هذه الأهداف الجادة جميعها بحيث تحققت هذه الأغراض تماما من خلال الوسيلتين، ونظرا لأنه لا توجد وسائل إعلام كالتي تعرف اليوم فلقد أدى المسجد دورا إعلاميا كبيرا، إذ لا يوجد مكان يجتمع فيه الناس اجتماعا موقوتا كالمسجد، ولقد ألف المجتمع الإسلامي آنذاك تلقي الأوامر والأخبار والتوجيهات في المسجد، سواء قبل الصلاة أوبعدها مباشرة، كما ألف النداء في وقت غير وقت الصلاة، إما لأهمية الأمر أو خطورته، وقد قال الشيخ القرضاوي “وكان كلما جد أمر يستدعي اطلاع المجتمع عليه أو أخذ رأيه فيه نودي أن الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، فيجتمع المسلمون بالمسجد، ويتم الغرض الذي نودي على الناس بالاجتماع من أجله، إن إعلاما أوتوجيها أو شورى.

 

في المسجد نفسه، وتذاع الأنباء التي تهم الأمة” ومن دور المسجد الإعلامي إعلان النكاح فيه، كما أثر ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يعقدون فيه عقود زواجهم امتثالا للحديث الشريف، فعن النبى صلى الله عليه وسلم “أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف” ولا يفوتنا أن نوضح أن إعلان الحدود في ساحة المسجد أو بالقرب منه بعد الصلاة يعتبر من الإعلام، وله أكبر الأثر في حياة المجتمع لما في ذلك من التذكير والاتعاظ، والتشهير بالذي أقيم عليه الحد، ليرتدع من رآه أو سمع به، وكذلك القول في الصلاة على الميت في المسجد حيث إنه إعلام بوفاة أحد ما، وهكذا يتبين لنا الدور الإعلامي الذي كان يؤديه المسجد في المجتمع الإسلامي الأول، وهو دور له أهميته وأثره في بناء المجتمع الإسلامي على الخطة والقواعد التي رسمتها التربية الإسلامية، المستمدة أهدافها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى