مقال

الدكروري يكتب عن أساس البناء الحضاري

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أساس البناء الحضاري

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

عندما جاء الإسلام، وهو خاتم كل الأديان، وآخر حلقاتها الموصولة، وكان ضروريا أن يكون عالميا، لأنه كلمة الله الخاتمة، وحجته البالغة إلى يوم القيامة، ولأن طبيعة مبادئه تتجه إلى العدل المطلق، والرحمة المطلقة، وإنقاذ الناس كل الناس، وإن من مقومات نهضة الأمم والمجتمعات، ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات، تكمن في العناية بقضية غاية في الأهمية،هى قضية هي أساس البناء الحضاري، ومسيرة الإصلاح الاجتماعي، إنها قضية القيم الأخلاقية، والآداب المرعية، والأذواق الراقية العلية، فالأخلاق والقيم في كل أمة هو عنوان مجدها، ورمز سعادتها، وتاج كرامتها، وشعار عزها وسيادتها، وسر نصرها وقوتها، وإن قضية القيم المزهرة، والشيم الأخاذة المبهرة.

 

التي أعتقت الإنسان من طيشه وغروره إلى مدارات الحق ونوره، ومن أوهاق جهله وشروره، إلى علياء ذكائه وحبوره لهي جديرة بالتذكير والعناية، والاهتمام والرعاية، وأن الإسلام وحده إياه، لا غيره ولا سواه، هو موئل القيم والفضائل والشمائل، فكانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومعالي القيم من أسمى وأنبل ما دعا إليه الإسلام، فقد تميّز بنظام أخلاقي فريد لم ولن يصل إليه نظام بشري أبدا، وقد سبق الإسلام بذلك نظم البشر كلها، وذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين منبثقة من جوهر العقيدة الصافية، ولقد بلغ من عظم ومكانة الأخلاق في الإسلام أن حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهمة بعثته وغاية دعوته في كلمة عظيمة وهى الأخلاق، وإن أزمتنا اليوم هى أزمة أخلاق.

 

وممارستها على أرض الواقع وتعبد الله تعالى بها، فالكثير يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن الكريم ويدّعون الإسلام ويملؤون المساجد ثم يخرجون للتقاتل والتنازع والتحاسد فيما بينهم، ويقوم الكثير بالشعائر دون خشوع وتدبر، ودون استشعار لعظمة الله تعالى، فتسوء أخلاقهم وسلوكياتهم في البيت والسوق وفي الوظيفة ومع الجيران، وفى كل مكان، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة” رواه الترمذي، وإن النسيج الاجتماعي المتراص الفريد يحتاج إلى وقفة إصلاحية، متونها صقل الأذواق وسجحها والسمو بها في معارج الوعي الراشد والاستبصار الرائد، لتنعم حواسنا بذوق رفيع.

 

وبيئة نقية نظيفة، تبتهج النفوس بأزهارها، والأبصار باخضرارها، والاستظلال بوارف ظلالها، واستنشاق الهواء النقي في أرجائها، وتثير الأشواق والإعجاب وتزيح الونى والأوصاب، وتخلع على النفوس رونق البهاء، وعلى القيم الأسيلة روعة الطهر والثناء، بل تبعث على تمجيد الخالق الوهاب، ولن يستقيم حال الناس في مآلهم ومعادهم، ما لم يلتزموا بشريعة الإسلام جملة وتفصيلا، فالتعاليم الإسلامية تؤخذ بالجملة والتفصيل، ولا تقبل التجزيء كوصفة الطبيب، فلا يعقل ولا يصح أن نأخذ بعض الدواء وندع الآخر، فالعلاج لا يتم ولا يتحقق إلا بالالتزام الحرفي بالوصفة الطبية، فلا قيمة لعلم بلا خُلق، ولا فائدة من علم لا يؤطره منهج وقيم جميلة، فالعلم هو وسيلة لغاية نبيلة.

 

أما إذا تحول العلم إلى فساد ودمار وخراب، فذلك يدل دلالة قاطعة على أن العلم لم يهتد بالخُلق الفاضل، والتوجه القويم، فالعلم بلا خُلق دمار وخراب، فليس كل علم نافعا، فمنه النافع والضار، ومنه من غلب نفعه أو ضرره، فما أحوجنا اليوم دون غيره إلى أخلاق الإسلام، فما أحوجنا اليوم دون غيره إلى أخلاق الإسلام، فنمارسها سلوكا في الحياة في زمن طغت فيه المادة وضعفت فيه القيم وفهمت على غير مقصدها وغاياتها، وتنافس الكثير من أبناء هذه الأمة على الدنيا، ودب الصراع بينهم من أجل نعمة زائلة أو لذة عابرة أو هوى متبع، فما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام، ونحن نرى التقاطع والتدابر والتحاسد على أبسط الأمور وأتفه الأسباب، فما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى جرأة كثير من الناس على الدماء والأموال والأعراض دون وجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى