مقال

الدكروري يكتب عن العفو والتسامح

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العفو والتسامح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فإن العفو والتسامح يأتيان في لحظة قدرتك على الانتقام، وأنت قادر ولكن قلبك أنقى من أن ينتقم، فالنصيحة العامه للجميع وهى أن ربُوا أنفسكم على التسامح، فسيأتي يوم تحتاجون فيه من يسامحكم، فإذا كنت متسامحا معهم فستجد قلوبهم نقية دائما تجاهك، وإلا ستكون سببا في حقدهم عليك، فكلنا نخطئ، ولكننا لا ننتبه لأخطائنا بقدر انتباهنا لأخطاء الآخرين، ولو اعترفنا بأخطائنا لتعلمنا كيف نسامح دون تردد، فكثير منا لا يحقدون، لكنهم لا يعرفون كيف يسامحون، فالتسامح يأتي في الخطوة التالية لصفاء القلب، وإنك حين تتعرض للأذى من أي شخص فتسامحه وتعفو عنه، أنت بذلك ستجعله نادما ولن يسامح هو نفسه، فالتسامح لا يعني أن نكون ضعفاء، ولا يعني أن نتخلى عن حقوقنا في سبيله.

 

فالتسامح يعني أن نعطي فرصة ثانية لمن يستحق، لمن يستحق فقط، وإن الشخص الذي يسامح يدفع عنه وعن أحبته العداوات، فتخيل أن يصبح لك أعداء لأسباب صغيرة، ولما أمر الله عز وجل نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بإعلان نبوته، والجهر بدعوته، والصدع بالحق إذ نزل عليه قول الحكيم الخبير “فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين” فارتقى النبى صلى الله عليه وسلم جبل الصفا وصاح بأعلى صوته “واصباحاه” وهي صيحة يصيح بها العربي حين يحس بخطر داهم يوشك أن يحيط بقومه أو عشيرته، ثم أخذ ينادي يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني كعب، لبطون قريش كلها حتى اجتمعوا فقال النبى صلى الله عليه وسلم “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟

 

قالوا نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، فقال صلى الله عليه وسلم “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد” فقال أبو لهب، تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟ فنزل قول الحق سبحانه وتعالى ” تبت يدا أبى لهب وتب” وأما خطبته صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيها “وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم، ولا تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين، فأحسنوا ما أحسن الله إليكم، فقال تعالى “وجاهدوا فى الله حق جهاده” وسماكم المسلمين، فقال تعالى “ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة ” ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت.

 

فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” ثم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطب تذكر بالله، وتدعو إلى حبه والتحاب فيه، والتنفير من الدنيا، وبيان العلم الشرعي وفضله وبثه في الناس من جيران وغيرهم، ثم تلك الخطبة الجامعة العظيمة في حجته التي ودع فيها الناس، وأعطاهم فيها دروسا عظيمة قيمة، تحمل وصايا كثيرة نافعة في البعد عن الظلم، وترك الربا، والإيصاء بالنساء، وغيرها مما ينير للأمة الإسلامية في كل قرونها المقبلة طريقا هاديا يرضاه الله ورسوله، ويفوز سالكوه بخيري الدنيا والآخرة، وهكذا عمر خلفاؤه الراشدون الأئمة.

 

الحنفاء المهديون منابر المساجد، مرشدين وموجهين، ومتحسسين حاجة الأمة المسلمة إلى ما يرقق قلوبها، ويوضح لها معالم الحق، ويسيرها على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، وسارت على هذا النمط الأجيال المؤمنة تستخدم منابر المساجد للإرشاد، والتوجيه، والإنذار، والتحذير، وبيان الأحكام، وغرس العقيدة الصحيحة، وعلاج ما في المجتمع من أدواء وعيوب، واستئصال شأفة الحقد والحسد وكل خلق ذميم، والحث على المنهج الصحيح، والسلوك المستقيم حتى يعيش المجتمع المسلم نقيا صافيا متوادا متراحما، متكاتفا متعاطفا، يحس فرده بما يقلق جماعته، وجماعته بما يزعج فرده، فقال صلى الله عليه وسلم “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وقال صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعت إليه سائر الأعضاء بالسهر والحمى”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى