مقال

الدكروري يكتب عن زهد مصعب سليل الغني

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن زهد مصعب سليل الغني

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من الصحابة الكرام هو الصحابى الجليل مصعب بن عمير، ومصعب بن عمير كان سليل أسرة غنية وعريقة في الغنى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أشد شباب مكة أناقة، وتجملا، وزيا حسنا، فقد قال صلى الله عليه وسلم ” لقد رأيت مصعبا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ” فكان اللباس الحسن والأناقة والتجمل، والعطر، ثم ترك ذلك كله حبا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لما آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم حرمه أهله كل شيء، وطردوه من بيتهم، وضيقوا عليه، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة قبل أن يهاجر إليها، فهيأ له الجو هناك، فإذا كان في المدينة نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقبال عليه، فبفضل هذا الصحابي الجليل مصعب بن عمير.

 

ولقد أجرى الله على يديه عملا لو وزنت جبال الأرض لا تعدله، ومع ذلك يقول صلى الله عليه وسلم ” لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم ترك ذلك كله حبا بالله ورسوله ” ويقول خباب بن الأرت أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في الدنيا شيئا ومنهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يُكفن فيه إلا نمرة، أي ثوبا صغيرا، فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “اجعلوها مما يلي رأسه” واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم.

 

عند مصعب بن عمير قبل أن يُدفن، وقال وعيناه تذرفان بالدموع، وعيناه تلفانه بضيائهما، وحنانهما ووفائهما، وقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا مصعب بن عمير ” لقد رأيتك بمكة وما بها فتى أرق حلة منك ولا أحسن لمة منك، ثم ها أنت شعث الرأس في بردة ” فماذا خسر مصعب ؟ فإنه لم يخسر شيئا، ولكنه ربح كل شيء، ربح رضوان الله عز وجل، ربح جنة عرضها السموات والأرض، ربح نعيماً مقيما، فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل، فقد آثر الآخرة فأعطاه الله الآخرة وثواب الدنيا، وهذه هي الحياة منذ زمن بعيد جدا، كان الإمبراطور يُحدّث أحد الفرسان بالقصر، فقال الإمبراطور للفارس اركب حصانك واجرى به قدر المستطاع.

 

وعند آخر نقطة تقف فيها ستصبح كل الأراضي التي جريت عليها ملكا لك، فامتطى الفارس جواده وانطلق بأقصى ما يستطيع من سرعة ولم يتوقف نهائيا للراحة، لأنه بمجرد أن يتوقف سينتهي العرض، فظل يجري ويجري مهما شعر بالجوع أو العطش أو الإرهاق لم يبالى بذلك، حتى أعياه التعب وأصبح غير قادر على الحركة بسبب الإرهاق والجوع، والعطش والألم، صحيح أنه قطع مسافة طويلة جدا أكثر مما كان يتوقع، لكنه أصبح في حالة احتضار، إنه بالفعل يموت، فقال في نفسه لماذا بذلك كل هذا الجهد؟ لماذا ضغطت على نفسي بهذا الشكل؟ ولماذا دفعت نفسي لتغطية أكبر مساحة ممكنة، في حين أنني الآن أموت ولا أحتاج إلا لمساحة صغيرة لأدفن بها، ثم مات الفارس.

 

فهذه هي الحياة، ندفع بأنفسنا طوال حياتنا لصنع المزيد من المال، والمزيد من التوفير، وإذا غطينا احتياجاتنا الأساسية، وسعينا لتلبية حاجاتنا الكمالية، وإذا غطينا حاجاتنا الكمالية سعينا لتغطية الرفاهيات، وإذا نظرنا خلفنا في يوم ما سنجد أننا لم نفعل شيئا، وكأن الحياة كلها ما هي إلا ملذات و متاع، فاعملوا ليوم لن ينفعكم فيه الحصان، ولا أراضي الإمبراطور، فإن أجمل ما قيل عن الحياة تعب الحياة كلها فما أعجب إلا من راغب في ازدياد، ولم أجد في الحياة سوى قضيتين أوليتين هما الجمال والحق، أمّا الجمال ففي قلوب المحبين، وأمّا الحق ففي سواعد العمال، وأنه ليست للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئا نناضل من أجله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى