مقال

طالب النجاة يوم القيامة

جريدة الاضواء

طالب النجاة يوم القيامة

بقلم / هاجر الرفاعي

 

إن الآخرة هي دار الجزاء وتوفية الحقوق واسترداد المظالم، وهي مرصد المفاليس، حين يقدمون بجلل من الصالحات، من صلاة، وصيام، وزكاة، وغيرها مما هو دونها في الفضل، في يومٍ تشح النفوس بالحسنة وإن كانت أما، فيرون ثواب تلك القربات ترحل من سجل حسناتهم إلى صحف من ظلموهم وبخسوهم حقهم .

 

فيذكر النصب الذي بذله والوقت الذي كابده والمال الذي أنفقه ومفارقته اللذائذ لأجل عمل تلك الصالحات، وبات ينتظر ثوابها في يوم تعز فيه الحسنة، ويراها بحسرة المرائر قد ذهبت لغيره بسبب ظلمه له، وتزداد تلك الحسرة إن فنيت حسناته، فتنقل سيئات المظلوم إلى صحيفته مع عدم مباشرته لها، فيحاسب عليها كما لو كان عاملاً لها، وتزداد تلك الحسرة حسرات حين تفنى الحسنات وتبقى السيئات، فيؤمر به إلى النار .

 

وإن في يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها وللمخالَط والصاحب بالغ الأثر في حفظ حقوق الخلق واستلابها فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .

 

وإذا كان الإنسان في هذه الحياة الدنيا يسعى ليجمع ثروة من المال ليعيش بها في هناءة وسعادة، وتغنيه عن الحاجة للعباد، فإن طالب النجاة يوم القيامة أولى أن يسعى ليجمع ثروة من الحسنات حتى ينال بها سعادة الآخرة، ويفوز بها بالجنة ورضوان الله عز وجل.

 

وإن هذه الدنيا مزرعة يزرع فيها الناس أعمالهم، ويبذلون فيها سعيهم، ويتقربون فيها بأنواع وألوان من الأعمال، ويخرجون منها ليس معهم من متعها ولا من ملذاتها شيء، بل يخرجون منها كما جاؤوا إليها، فقد جاؤوا عراة حفاة غرلا، أي غير مختونين، يخرجون منها على نحو هذا الوصف في التجرد من كل ملذات الدنيا ومتعها وأملاكها.

 

وإن الدنيا دار اختبار وحقوق الخلق ميدان ابتلاء، ومن أعظم ما يحمل على خفرها والاستخفاف بأدائها إهمال محاسبة النفس وغياب استحضار الحساب الأخروي وذاك ما حمل الطغاة على العتو والبغي على العباد، وإن هذه الحياة دار سعي وعمل، وإن الآخرة دار حساب وجزاء، وإن يوم القيامة هو يوم العدل المطلق، فيه توفى الحقوق وتسترد المظالم.

 

وإنه يوم العدل فلا ظلم اليوم، فيقتص الله للمظلومين، فيأخذ من حسنات هذا المحسن الظالم، ويعطي المظلوم، فما زالت الحسنات تؤخذ منه وتنقل من ميزانه إلى ميزانهم وهو ينظر حتى تفنى كلها، فإذا بقي مظلومون ولا حسنات، أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على هذا المسكين ثم يطرح في النار.

 

ولئن كان الإنسان في الدنيا يبذل جهده ليحمي ماله ويحفظ نفسه من الفلس، فإن طالب النجاة أولى أن يحمي حسناته من الضياع يوم القيامة وألا يكون من المفلسين يوم الدين وإن الاغترار بالقوة والقدرة والأمن من المحاسبة الدنيوية من أساب الاستخفاف بالحقوق، فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله ” أمّا بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام ”

 

فيجب عليك دائما دوام محاسبة النفس ، فإن من حاسب نفسه عرف جناياتها، وسعى في فكاكها قبل يوم التغابن، والاستحلال من المظالم في الدنيا خير من قصاصها في الآخرة، فيقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه ” رواه البخاري .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى