مقال

الدكروري يكتب البكر البالغ العاقلة الراشدة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب البكر البالغ العاقلة الراشدة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن البكر البالغ العاقلة الراشدة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من مالها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه دون رضاها، فكيف يجوز أن يرقها، ويُخرج بُضعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو، وهي من أكره الناس فيه، وهو من أبغض شيء إليها، ومع هذا يُنكحها إياه قهرا بغير رضاها إلى من يريده، ويجعلها أسيرة عنده، وأما موافقته لمصالح الأمة، فلا يخفى مصلحة البنت في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النكاح لها به، وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه، فلو لم يأت السنة الصريحة بهذا القول، لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضي غيره” وأما إذا كانت البنت أو المرأة تحب المتقدم لخطبتها وتميل إليه فالأولى تزويجها منه.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا قال يا رسول الله، في حجري يتيمة، قد خطبها رجل موسر ورجل مُعدم، فنحن نحب الموسر، وهي تحب المُعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لم يُر للمتحابين مثل النكاح” وعنه أيضا، قال إن زوج بريرة كان عبدا يقال له مُغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها ودموعه تسيل على لحيته، يتبعها في سكك المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس “يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟ فقال يا رسول الله، اشفع له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها “يا بريرة اتقي الله، لو راجعته” قالت يا رسول الله تأمرني؟ قال إنما أشفع، قالت فلا حاجةَ لي فيه” وأما عن اليتيمة، فإنها تستأذن فإن أبت فلا جواز عليها ولا تجبر علي ذلك.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها” واليتيمة في الأصل هي الصغيرة لا أب لها، ولكن هذا اللفظ قد يطلق ويراد به البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها اسم اليتم، فدعيت به وهي بالغة، والعرب ربما دعت الشيء بالإسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم، ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الاسم ومن هنا اختلف العلماء في جواز نكاح اليتيمة التي لم تبلغ، فذهب سفيان الثوري والشافعي إلى أن نكاحها لا يجوز حتى تبلغ، وقال صاحب عون المعبود “والمراد بالتيمية في الحديث البكر البالغة، سماها باعتبار ما كانت، كقوله تعالى ” وءاتوا اليتامي أموالهم” وفائدة التسمية مراعاة حقها.

 

والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح، فإن اليُتم مظنة الرأفة والرحمة، ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها ولا لإبائها، فكأنه عليه الصلاة والسلام شرط بلوغها، فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر أي تستأذن وذهب أحمد وإسحاق إلى جواز نكاحها إذا بلغت تسع سنين ورضيت، واحتجا بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها،أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها وهي بنت تسع سنين وقولها رضي الله عنهاإذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة، وهو ما رجّحه الإمام ابن القيم محتجا بالحديث الذي رواه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين “لا يُتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل” ثم قال رحمه الله فدلّ ذلك على جواز نكاح اليتيمة قبل البلوغ.

 

وهذا مذهب السيدة عائشة رضي الله عنها، وعليه يدل الكتاب والسنة، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وغيرهما، وكما يجب موافقة وليّها على زواجها، وذلك لقوله تعالى كما جاء في سورة النور ” وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم” وقوله تعالي كما جاء في سورة البقرة ” ولا تنكحوا المشركين حتي يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم” فمدلول الآيتين أن المرأة لا تنكح نفسها إلا بوليّ لأن الخطاب فيهما موجه إلى الأولياء، ويشمل ذلك كلا من القاصرة والبالغة، على السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى