مقال

كل مستبد جبان

جريدة الاضواء

كل مستبد جبان

كتب / يوسف المقوسي 

 

الثورة العربية التي حدثت عام 2011 لم تفشل. الذين فشلوا هم الذين واجهوها. حُكّام المنظومة العربية الذين لم يستجيبوا لمطالب الثورة، بل تآمروا على جماهيرها، وتدهور أكثر وضع المجتمع منذ ذلك الحين.

 

حُكّام المنظومة العربية يخافون على عروشهم ومنافعهم. يخافون من مجتمعاتهم. كلهم حُكّام استبداديون، سواءً كانوا ملوكاً أو رؤساء جمهورية (منتخبين). يعلمون أن الشعب في الساحات قوة لا ترد، وأن نداء “الشعب يريد إسقاط النظام” جدي. بعضهم سقط وبعضهم أعطى تنازلات. بعضهم تمنّع وبعضهم وزّع المال على الناس بالمليارات ظناً منه أنها رشوة.

 

كل مستبد جبان يعرف مدى ضعفه أمام شعبه. يستعين بأجهزة الأمن والجحافل العسكرية. يخاطب شعبه من وراء ستار. يتحاشى الحوار مع الناس. يخاف المقارعة بالحجة. يتجنّب السؤال. الاستبداد عجز فكري وضحالة ايديولوجية. يحيط نفسه بحاشية من المستشارين والأجهزة. يسلّط هؤلاء الناس ويسكن خلف الأسوار. من يخاف شعبه لا يستحق أن يحكم. من يحكم من دون أن يستحق محبة شعبه لا يستحق أن يعيش. القيام ضده بمحاولة اغتيال أمر متوقّع. العيش عنده استمرار في السلطة ولو حتى بعد الموت. بالطبع يجب أن يعيش. حياته نعيم ولو أدى ما يعتبره نعمة الى جحيم على الناس. العيش في كنف الاستبداد جحيم ولو كان النظام ديمقراطياً أو طاغية.

 

تواطأت سلطات أهل المال والنفط والسلاح على الشعوب العربية لأنها ثارت. في الوطن العربي أقطار لديها الكثير من النفط (السائل والغاز) والكثير من المال.. حولوا بعض المال الى شعوبهم، واكتنزوا معظمه وبذّروا ما استطاعوا، وابتاعوا الكثير من السلاح، وبنوا أجهزة حرب وايديولوجيا وأمن ومخابرات، لقمع شعوبهم والشعوب العربية الأخرى.

 

الثورة نقطة تحوّل الى السياسة وإلى اندماج الجمهور في المجال العام والمشاركة، والانتقال من وضع الرعية الى المواطنة. عندما حصلت الثورة، رفضت دول النفط والمال كل حل سياسي في بلدانها، كما في البلدان العربية الأخرى. المعروف أن البلدان تبنى بالدولة، والدولة تنشأ وتستمر بالسياسة، وهذه الأخيرة حوار وانفتاح للمجال العام. الحوار فيه اختلاف يؤدي الى تعددية. دول النفط والمال يبغضون التعددية. يصرون على أن يكون الحكم عن طريق الأمر. يوزعون المال لتخريب بلدان أخوانهم بالعروبة، ويستعينون بالدين لإيهام الناس أن وجودهم في السلطة تكليف من المتسامي. هم في نظر أنفسهم ورثة الله على الأرض. يرثون الأرض، اما الفقراء وهم معظم ناس هذه الأمة لا يرثون شيئاً. هم فقراء لأنهم لا يستحقون إلا الفقر بنظر أهل السلطة النابعة من المال والسلاح. جعلوا الله والدين في خدمتهم. وجعلوا فقر المجتمع إبتلاء من الله. صادروا الدين وكرسوه لتبرير الطاعة والإخضاع.

 

دول غنية بمال النفط (السائل والغاز). اكتُشِفَ تحت الأرض. هو منة من الله عليهم. هم عوّدوا شعوبهم على التوزيع، الاستهلاك، والاتكالية. العمل يفترض التجربة والتعلّم منها. يفترض ازدياد المعرفة والوعي. في التعلّم خطر السؤال. لا بد للسؤال من جواب. البحث عن الجواب يؤدي للمعرفة. انتشار المعرفة سلطة بيد الناس. المعرفة بالتجربة وملاحظة الطبيعة واستقراء النتائج واستخدامها في أساليب العيش والسياسة. ممنوع على الناس في أنظمة المال والنفط إلا الاستنباط من تعليمات من كتب التراث؛ استخراج معلوم من معلوم. المعرفة الحقيقية هي استخراج معلوم من مجهول، وهذا مخيف في نظرهم. دأبهم احتواء المعرفة لتبقى معلبة، وإيكال العلم بها لمن يتخصص في المعاهد الدينية التي يكثرون منها. خريجوها لا يجيدون إلا فتاوى قياساً على القديم. ففي التكرار راحة العقل وراحة الحكام الذين يريدون من المفتين المتخرجين من هذه المعاهد فقط الإفتاء لمصلحة السلطة التي تتأبّد لديهم وتصير امتدادا للماضي، لا خروجاً منه. التطوّر هو الخروج على الماضي. يشكّل البحث والسؤال والسعي الى الجديد والتحديث ثورة. وهذه تشكل خطراً عليهم.

 

نشأت لدى دول النفط ايديولوجيا اتكالية، جوهرها اعتماد الناس على المال الهابط من الحاكم، والاستهلاك تنعما بما هبط عليهم. مجتمعاتهم لا تنتج شيئاً. الاتكالية نتيجة حتمية لمن اعتمد على السلطة، والتي تعتمد بدورها على ما استخرج من الأرض كمنحة من السماء. لديهم الكثير من المال لشراء السلاح. كدّسوا الكثير منه. لم يكن، ولن يكون، السلاح للدفاع في وجه العدو. في أوج ثورتهم المضادة اعترف بعضهم بإسرائيل وسمّوا ذلك تطبيعاً.

 

رفضوا التطبيع مع الشعوب العربية الثائرة. انتصروا عليها بالثورة المضادة. وحوّلوا الانتصار الى تطبيع مع إسرائيل وحروب أهلية عربية. هزيمة الثورة هي الوجه الآخر للتطبيع مع إسرائيل. يعرفون جيداً أن الشعوب العربية ترفض الاعتراف بإسرائيل. قامت هذه الشعوب بثورة نبضها واحد من المحيط الى المحيط. في الثورة خطر على المنظومة الحاكمة كما على إسرائيل. أدركوا أن في سقوط الأنظمة العربية في بلدان غير نفطية إسقاط للانظمة في هذه البلدان. لم تنشأ المنظومة الحاكمة العربية إلا لأن الشعوب العربية منظومة واحدة. نبضها واحد. شعارها واحد: “الشعب يريد إسقاط النظام”. النظام كل النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى