مقال

العقوق دَين لابد من قضائه

جريدة الاضواء

العقوق دَين لابد من قضائه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن العقوق دَين لابد من قضائه، وهذا ابن ثالث عاق يجر أباه من رجليه ليطرده خارج بيته، وما إن وصل الولد بأبيه وهو يجره حتى الباب، وإذا بالوالد يبكى ويقول لولده كفى يا بنى، كفى يا بنى إلى الباب فقط، فقال لا بل إلى الشارع، قال والله ما جررت أبى من رجليه إلا إلى الباب فقط، فكما تدين تدان، ويكفى أن تعلم أن الله تعالى قد قرن بر الوالدين والإحسان إليهما بتوحيده فقال تعالى فى كتابه الكريم ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ” وهذه رسالة من أم لولدها العاق أحببت أن أقرأها عليكم لما فيها من العبرة والعظة، تقول الأم في رسالتها يا بني هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة، كتبتها على استحياء بعد تردد وطول انتظار، أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة، وأوقفت الدمعة مرات، فجرى أنين القلب. 

 

يا بني بعد هذا العمر الطويل أراك رجلا سويا مكتمل العقل، متزن العاطفة، ومن حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل، يا بني منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل، والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا، فهي مزيج من الفرح والسرور، وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية، وبعد هذه البشرى حملتك تسعة أشهر في بطنى، فرحة جذلى، أقوم بصعوبة، وأنام بصعوبة، وآكل بصعوبة، وأتنفس بصعوبة، لكن ذلك كله لم ينتقص من محبتي لك وفرحي بك، بل نمت محبتك مع الأيام ، وترعرع الشوق إليك، حملتك يا بني وهنا على وهن، وألما على ألم، أفرح بحركتك، وأسر بزيادة وزنك، وهي حمل علي ثقيل. 

 

إنها معاناة طويلة أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه قلم، ولا يتحدث عنه لسان، فاشتد بي الألم حتى عجزت عن البكاء، ورأيت بأم عيني الموت مرات عديدة، حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي، وأزالت كل آلامي وجراحي، بل حنوت عليك مع شدة ألمي وقبلتك قبل أن تنال منك قطرة ماء، يا بني مرت سنوات من عمرك، وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، وجعلت حجري لك فراشا، وصدري لك غذاء، وسهرت ليلي لتنام أنت وتعبت نهاري لتسعد، وكانت أمنيتي كل يوم أن أرى ابتسامتك، وسرورى في كل لحظة أن تطلب شيئا أصنعه لك، فتلك هي منتهى سعادتي ومرت الليالي والأيام، وأنا على تلك الحال خادمة لم تقصر. 

 

ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تسكن، وداعية لك بالخير والتوفيق لا تفتر، أرقبك يوما بعد يوم حتى اشتد عودك، واستقام شبابك، وبدت عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يمينا وشمالا لأبحث لك عن المرأة التي طلبت، وأتى موعد زواجك، واقترب زمن زفافك، فتقطع قلبي، وجرت مدامعي، فرحة بحياتك الجديدة، وحزنا على فراقك، ومرت الساعات ثقيلة، واللحظات بطيئة، فإذا بك لست إبني الذي أعرفك، اختفت ابتسامتك، وغاب صوتك، وعبس محياك، ولقد أنكرتني وتناسيت حقي، وتمر الأيام أراقب طلعتك، وأنتظر بلهف سماع صوتك، لكن الهجر طال والأيام تباعدت، أطلت النظر إلى الباب فلم تأتى، وأرهفت السمع لرنين الهاتف حتى ظننت بنفسي الوسواس، وهاهي الليالي قد أظلمت، والأيام تطاولت، فلا أراك ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت بك خير قيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى