مقال

الدكروري يكتب عن نبي الله موسي مع بني إسرائيل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نبي الله موسي مع بني إسرائيل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد كان بنو إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم، ومرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم، فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا، وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا على نبي الله موسى وربه، وقال قوم موسى له كلمتهم الشهيرة ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” وهكذا بصراحة وبلا التواء، فقد أدرك نبى الله موسى أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء، فقد مات الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة، وعاد موسى إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه، فقد دعا موسى على قومه أن يفرق الله عز وجل بينه وبينهم، وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل. 

وكان الحكم هو التيه أربعين عاما، حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة، ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها أن يقاتل وأن ينتصر، فيتبين لنا أن السحب كانت تظل مكانا يريد الله تعالى أن ينزلوا فيه أثناء عبورهم سيناء، وإذا أراد سفرهم أظلتهم مرة أخرى في السفر، ولكن سياق القرآن وكلماته تبين أن المراد من ظلال الغمام هو المطر، لأن السحب الداكنة المظلمة ممطرة عموما، وبيان القرآن، كما هي عادته، تصحيح لبيان التوراة، لأن وصف التوراة للسحب غير ضروري وغير معقول، فأي داع لإحاطة بني إسرائيل بالسحب لتوجيههم إلى المكان المناسب لإقامتهم؟ كان يكفي أن يوحى الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام ويخبره بذلك، ولقد ذكر القرآن إلى جانب الغمام المنّ والسلوى.

ومن هذا يتبين أن تلك الفيافي المجدبة كان يعوزها الطعام والماء، فكان الله تعالى يطفئ عطشهم بالسحب الداكنة الممطرة، ويزيل جوعهم بالمن والسلوى، وإن من عادة الله المستمرة أنه يمنّ على عباده ببركات خاصة ليدرأ عنهم الأذى ويهيء لهم الراحة، وما فعل الله تعالى هذا في الماضي فقط بل يفعله اليوم أيضا مع عباده الصالحين، فلا يصح أن يراد بظلال الغمام أن الله تعالى كان يأمر السحاب لتتحرك معهم لتظلهم دائما حيثما حلوا وارتحلوا، إذ أن ظلال السحب المستمر نقمة لا نعمة، وكان بنو إسرائيل قد عاشوا عبيدا تحت الفراعنة لمدة طويلة، فأراد الله تعالى أن يعيشوا في البرية أحرارا لزرع أخلاق الجرأة والشجاعة فيهم، فبدلا من أن يبلغهم كنعان في وقت قصير تركهم مدّة في صحراء سيناء وما حولها من الأماكن، وهيأ لهم هناك أغذية بدون جهد وتعب من جانبهم. منها ما هو حلو ومنها ما هو مالح ومنها ما هو صلب ومنها ما هو ليّن ومنها ما يطهى ومنها ما يؤكل نيئا في تنوع يرضي شتى الأذواق، ويسد الجوع، ويغذي الجسم، ويحفظ الصحة فبالغمام هيأ الله تعالى لبني إسرائيل الماء، وبالمن وفر لهم غذاء من الفاكهة والخضر، وبالسلوى زودهم باللحم والعسل وغيرها من المأكولات التي تسلي القلب، وإن كلمة “أنزلنا” جديرة بالتأمل فلا يعني هذا أن الله تعالى أنزل المن والسلوى من السماء، وإنما كانت مما ينمو على الأرض واستخدم لها كلمة “أنزلنا” لأنه تعالى هيأها لبني إسرائيل في ظروف غير عادية، فالنزول يدل على الإعزاز والإكرام، أو توفير شيء في أحوال صعبة، وعلى الذين يقعون بسبب كلمة النزول في أنواع الأخطاء في مسألة نزول المسيح المنتظر أن يتدبروا وينتبهوا إلى هذه الأساليب القرآنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى