مقال

الفلسطيني الجديد من فلسطين الشهادة

جريدة الاضواء

الفلسطيني الجديد من فلسطين الشهادة
كتب /يوسف المقوسي
الفلسطيني الجديد، يتوالد. يصوّب ويصيب. هو المجهول المعلن. لم يعد القبضة فقط. ميزته، انه أنهى عصر الكلام، والجمل الفارغة. وضع نقطة حاسمة على الخطابية المجوَفة والآمال النفاقية.

الفلسطيني الجديد لا يقول. يفعل. يأتي من الحضن المضاء بالدماء. هو لا يحتاج إلا لدمه. دمه ينطق فعلاً. يصيب ويبث الهلع في قوافل العسكر المعادي. دمه أيقظ أملاً. كل الآمال السالفة، تعثرت بالأخطاء والانعطافات والمساومات.. المقاومات الفلسطينية انفقت دماءً بلا جدوى.

الفلسطيني الجديد، في فلسطين، لا يشهر اسمه. لم يأت من تنظيم. لم يقرأ في عقيدة. لم يؤمن بسياسة العطاء المذل. يرفض ماضياً دامياً، بلا أي رصيد واقعي.. انه لا يشبه احداً. هو الشبه والشبيه. هو الوسيلة والغاية. هو الحر في أفق التحرير.

الفلسطيني الجديد، من فلسطين الشهادة، لا يشبه ابداً ماضي النضالات الفلسطينية السخية، انما الخاسرة. تضحيات شاهقة، وخسائر فادحة، دماء كثيرة أمينة ومؤمنة، ذهبت هباء… قيادات ومنظمات وحركات قلدت الأنظمة. احتمت بها وتمَّ اغتيالها، بسهولة مريعة. ما أقدمت عليه القوى الفلسطينية المسلحة، كان وبالاً. الغريب، في ذلك الزمن الرديء، ان التناقض الذي حصل، هو تناقض بين المقاومة الفلسطينية والأنظمة العربية المحيطة بـ”إسرائيل”. حاولت منظمات التحرير ان تتشبه بعساكر الدول العربية. علماً، ان هناك فرقا وتناقضا، بين العسكرة والمقاومة. لقد عسكروا المقاومة. فشلوا. وطحنت فلسطين مراراً.

يومها، كنا نصدق الإذاعات. نتعلق بالتصريحات. ندمن الاصغاء للخطب.. أشدنا بجمال عبد الناصر. آمنا بالأحزاب القومية والراديكالية. فرحنا بالتهديدات اللفظية. كدسنا الخسائر. طحنت القضايا مراراً. ظلت فلسطين المحتلة في عراء، باستثناء خميرة، ظلت تعمل، برغم البؤس السياسي العربي، لتحرير فلسطين من الأوهام العربية والاثقال الإسرائيلية الباهظة.

الفلسطيني الجديد، لم يعد يصدق الإذاعات والتصريحات. لم يدمن إلا على قبضته ودمه. التهديدات اللفظية مجرد خرافات .
الفلسطيني الجديد، ليس وحيداً ابداً. الشعوب العربية المنكوبة بحكامها وانظمتها تقمع ولا تقنع… في قطر الرياضية، وجدت الفرصة سانحة، للتعبير بالعلم الفلسطيني. انتماؤها هو فلسطين، وليس لإماراتها وممالكها وانظمتها القمعية الرهيبة. عبرت شعوب عربية، بأسلوب مضاد، لكذب السلطات العربية، برهنت هذه الشعوب على انتمائها وحبها، بحناجر فلسطينية، ومداها، من المحيط الى الخليج. الشعوب العربية الملزمة بالصمت السياسي، أفصحت قليلا، في احتفالات كرة القدم في قطر… هذه الشعوب هتفت لفلسطين. كانت الغائب الأكثر حضوراً. هذه الشعوب حملت اعلام فلسطين. كان الحضور العربي هناك يقظة أحلام مكبوتة. حضور رفض “المرحبا” الإسرائيلية. اشعر “الإسرائيلي” انه عدو وسيبقى كذلك .

مئات الملايين من العرب، هم فلسطينيون مكتومون. العقوبات السلطوية العربية مريعة. عقوبة الانتماء الى فلسطين في بعض دول النفط وملوك المال، هي الإلغاء والطرد. يضاف الى تلك الممالك “جمهوريات” القمع البوليسي.

ألم يلاحظ العرب بعد، ان فلسطين مغيبة بقرارات دولية وعربية، عن الشاشات التلفزيونية؟ فلسطين ممنوعة. أما “إسرائيل”، “فهلا بالضيف” بل: “نحن الضيوف وانت رب المنزل”. هكذا بكل وضوح. يصبح الكذب العربي سياسة نبذ للقضية، وسياسة رفع العار جائزة. هذا اعلام استبدادي. مكبل. منافق. يكره الحقائق والوقائع.

هل نبالغ عند القول: لا اعلام عربياً في هذه البلاد “العربية” إسماً وعليه، لا بأس بالاعتياد على الخيانات واعتبارها سياسات واقعية. “الواقعية الفاضلة”، هي واقعية مضادة للحرية والانسان والعدالة والشعب.

الفلسطيني الجديد، خرق طقس العبث العسكري، ليست كل البنادق صائبة وتصيب. هناك بنادق هتكت رفاقها في السلاح. انكسرت المنظمات الفلسطينية في مواجهة جيوش الأنظمة.
هل كانت قوى منظمة التحرير تشبه بنية الجيوش العربية؟
ثم، هل بنية “المقاومة” الفلسطينية، بنية مناسبة للتحرير؟ .

ثم، متى حصلت مواجهات، بين جيش إسرائيل وجيوش عربية، وإنتهت إلى عرب منتصرين؟

لندخل في صلب الموضوع. هل مسموح ان نستعيد التجربة العسكرية والتجارب الفلسطينية؟ اليس من الضروري ان نتجرأ على النقد من دون التشفي، بل النقد المنطلق من الانتماء، اولاً، وعلى قاعدة الخسائر والنجاحات.

حدث في الزمن العربي، ما بعد الزمن الفلسطيني، ان حضرت قوى مكتومة الإقامة. سرية التواجد. لا تعتبر السلاح زينة الرجال. لا تتكلم كثيراً. تبني تحت الأرض لا فوقها. تتدرب في العتمة والمجاهل. لا تستعرض قواها. تحشد وتشدد على عدم الانكشاف. هذه المقاومة، في لبنان، واجهت إسرائيل. قاتلتها في لبنان. انهكتها في أماكن انتشارها. الزمتها بانسحاب اول انتقمت إسرائيل بالمجازر. دماء كثيرة مدنية. أطفال. نساء. رجال. عائلات. ومع ذلك، وازنت المقاومة بين الانتقام وبين الانتصار. وحصل وبعد سنوات من السرية، أي سياسة من تحت الأرض، وليس على المنابر، ان ألزمت إسرائيل بالانسحاب المذل من كل الجنوب، تاركة عملاءها في العراء.

حدث ذلك، في زمنٍ كانت فيها الأنظمة العربية تتحضر لهزات داخلية وخارجية، بحيث لم يبق نظام عربي غير مأزوم: ليبيا حرجت، سوريا دمرت، عمان تأسلرت، بغداد غرقت بدمها. أما من تبقى، فقد استطاب الإقامة في القعر. أما النشامى العرب، فقد تحرروا كليا من فلسطين، وأصبح الإسرائيلي حليفاً استراتيجياً.. “يا أمة ضحكت من عجزها الأمم”.

الفلسطيني الجديد، لا يقاتل اليوم خارج ارضه. انه يصوّب ويصيب. انه يزيد الشرخ بين الإسرائيليين. الفلسطيني الضعيف، المذل، المنهك، المدمر، ما زال ينبض حياةً ونضالاً. موته بندقيته وقنبلته. ثم سكينه لا يجرح فقط، بل ينغرز. تضحياته ثمار يانعة . الفلسطيني الجديد، موجود في كل مكان. قبضته وسكينه ومسدسه وبندقيته، كلها تصلح فقط لإصابة الهدف: إبقاء الإسرائيلي على سلاحه خائفاً وارباكه بالسؤال الكبير: “هل سنبقى هنا ام نرحل؟” الجواب لم ينضج بعد، ولكنه قيد التداول.

غزة باقية.

الضفة باقية.

فلسطين، بدأت المسيرة اليها، دماً دماً، جرحاً جرحاً.

ما أفصح الصمت.

الفلسطيني الجديد، يرى ما لا نراه. يرى فلسطينه، بلون الفجر الذي يشبه دمه.

وهذا الكلام ليس شعراً. انه ضوء القمر الذي يكتسح عتمة الظلم والظلام العربيين. أما الغرب فحسابه سيكون بطريقة أخرى. وتحديداً، عندما يصبح المواطن العربي، متحرراً من أنظمة الاستبداد والفساد و….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى