القصة والأدب

الدكروري يكتب عن صاحب قصة العقد المفقود

الدكروري يكتب عن صاحب قصة العقد المفقود

الدكروري يكتب عن صاحب قصة العقد المفقود 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن أئمة الإسلام والمسلمين والذي كان من بينهم الإمام الجليل أبو بكر البزار، وقيل أن هناك قصه عجيبه مع الإمام البزار وهى قصة العقد المفقود، وهى في كتاب ذيل طبقات الحنابلة، وقد ذكر ابن رجب في ترجمة القاضي أبي بكر الأنصاري البزاز المشهور بقاضي المارستان، الحافظ المتوفي عام خمسمائة وخمسة وثلاثين للهجرة، وقعت له قصة عجيبة فيها أيما عبرة، فقد قال كنت مجاورا مكة حرسها الله فأصابني يوم من الأيام جوع شديد ولم أجد شيء ادفع به عني ذلك الجوع وخرجت أبحث عن طعام فلم أجد، فوجدت كيسا من حرير مشدودا برباط من حرير، قال فأخذته وجئت به إلى بيتي وحللته فوجت فيه عقدا من لؤلؤ لم أري مثله قط.

 

قال فربطته وأعدته كما كان ثم خرجت أبحث عن طعام فإذا بشيخ ينادي ويقول ومن وجد كيسا صفته كذا وكذا وله خمسمائة دينار من الذهب، فقلت في نفسي أني محتاج وجائع أفآخذ هذه الدنانير لأنتفع بها وأرد له كيسه، فقلت له تعالى إليّ، قال فأخذته إلى بيتي وسألته عن علامة الكيس وعلامة اللؤلؤ وعدد الؤلؤ المشدود به، فإذا هو كما كان، قال فأخرجته ودفعته إليه، فسلم إليّ خمسمائة دينار الجائزة، التي ذكرها، فقلت له يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، فقال لا بد أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا وأنا أحوج ما أكون، قال فقلت والذي لا إله إلا هو ما آخذ عليه جزاء من أحد سوى الله، فلم أقبل الدنانير، فتركني ومضى ورجع الشيخ بعد موسم الحج إلى بلده، وأما ما كان منى والكلام للإمام البزاز.

 

فإنني خرجت من مكة وركبت البحر وسط أمواجه المتلاطمه وأهواله، وتكسر المركب وغرق الناس وهلكت الأموال، قال وسلمني الله، إذ بقيت على قطعة من المركب تذهب بي يمنة ويسره ولا أدري إلى أين تذهب بي، وبقيت مدة في البحر يتقاذفني الأمواج من مكان إلى مكان حتى قذفني إلى جزيرة فيها أميّون لا يقرؤون ولا يكتبون، قال فجلس في مسجدهم وقمت أقرأ، قال فما أن رآني أهل المسجد حتى اجتمعوا علي فلم يبقي في الجزيرة أحدا إلا قال علمني القرآن، قال فعلمتهم القرآن، وحصل إليّ خير كثير من جراء ذلك، قال ثم رأيت في المسجد مصحفا ممزقا فأخذته وأوراقه لأقرأ بها فقالوا أتحسن الكتابه، فقلت نعم ، قالوا علمنا الخط، فقلت لا بأس، فجاؤوا بصبيانهم وشبابهم فكنت أعلمهم.

 

وحصل لي خير كثير ورغبوا فيه، فقالوا له بعد ذلك وهم يريدون أن يبقى معهم، عندنا جارية يتيمة ومعا شيء من الدنيا ونريد أن نزوجها لك وتبقى معنا في هذه الجزيرة، وقال فتمنعت، فألحوا عليّ وألزموني فلم أجد أمامي إلا ألحاحهم وإصرارهم، فأجبت طلبهم، فجهزوها لي وزفها محارمها، وجلست معهم وإذا بي أنظر إليها وإذا العقد الذي رأيته بمكة بعينه، معلقة بعنقها، دهشت وما كان لي بشغل إلا النظر إلى العقد فقال محارمها يا شيخ كسرت قلب اليتيمة لم تنظر إليها وإنما تنظر إلى العقد، قلت إن في هذا العقد قصة، وقالوا ما هي قصته، فقصصتها عليهم، فصاحوا وضجوا بالتهليل والتكبير وصرخوا بالتسبيح حتى بلغ صوتهم أنحاء الجزيرة، فقلت سبحان الله ما بكم، قالوا إن هذا الشيخ الذي رأيته.

 

وأخذ العقد في مكة هو أبو هذه الصبية، وكان يقول عند عودته من الحج ويردد دائما والله ما رأيت على وجه الأرض مسلما كهذا الذي رد علي العقد بمكة، اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، وتوفي ذلك الرجل وحقق الله دعوته، ويقول فبقيت معها مدة من الزمن فكان خير امرأة ورزقت منها بولدين ثم توفيت فعليها رحمة الله فورثت العقد المعهود أنا وولداي، وقال ثم توفي الولدان واحدا واحدا قال فورثت العقد منهم قال فبعته مائة ألف دينار، ويحدث بعد مدة ويقول هذا من بقايا ثمن العقد فرحمهم الله جميعهم، وارتحل البزار في شيخوخته ناشرا لحديثه، فحدّث بأصبهان وبغداد واجتمع عليه حفاظها، وتبركوا من يديه، وكتبوا عنه، ثم خرج إلى مصر ومنها إلى مكة وظل بها عدة أشهر، ثم خرج إلى الرملة وفيها أدركته وفاته، فمات سنة مائتين واثنين وتسعين من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى