القصة والأدب

الدكروري يكتب عن مؤسس حركة الحداثة الإسلامية

الدكروري يكتب عن مؤسس حركة الحداثة الإسلامية

الدكروري يكتب عن مؤسس حركة الحداثة الإسلامية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن جمال الدين الأفغاني، وهو من من مؤسسي حركة الحداثة الإسلامية، وقيل أنه سافر إلي الهند ومنها إلي مكة المكرمة حتي أدي فريضة الحج ثم عاد إلي بلادة، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، وهي إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، واقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي امتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعا، ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف على أخلاقه.

 

والعناصر التي تكونت منها شخصيتة، فقد نشأ من بيت مجيد، ازدان بالشرف واعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمنا ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضا فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، وسار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح مدينة هراة، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان وكان ذلك سنة ألف ومائتان وثمانين من الهجرة، ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد واخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضم جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة.

 

لما توسمه فيه من الخير، وأستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، وانتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك، وظل جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراما لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي.

 

وهنا تبدو مكانة جمال الدين الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميرا يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيما في محنته، ثابتا في هزيمته، وتلك ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان، وهذه المرحلة كان لها أثرها في الاتجاه السياسي لجمال الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى