مقال

الهجرة والجانب العملي والتربوي

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الهجرة والجانب العملي والتربوي
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وهو الموطن الجديد للمسلمين المهاجرين بسلام وحفظ من الله سبحانه، واستقبله الأنصار بالترحاب والفرح، وكان أول ما باشر به بناء المسجد النبوي، وألف بين الأوس والخزرج وبين المهاجرين والأنصار، وظهرت خوارق العادات والأخلاق من الإيثار، والمحبة، والتعاون والوفاء حيرت العلماء قديما وحديثا ولم يمكنهم تفسيرها بشيء إلا بالإيمان الصادق واليقين الجازم، وإن السلوك مهم جدا لإقناع الناس بالجانب العملي والتربوي في هذا الدين، ولكن الاكتفاء به وحده دون تصريح مباشر بالمرجعية الإسلامية العقائدية لهذا السلوك خطأ كبير، لأن عموم الناس ليست لهم القدرة على ربط أخلاق المسلم الحميدة بالإسلام.

إلا إذا صرح هو بذلك، والناس لن تعرف شيئا عن العقيدة الإسلامية الصحيحة بما فيها من توحيد لله، وإيمان بالنبوة، ويقين في اليوم الآخر، إلا إذا كان الحديث في هذه الأمور مباشرا صريحا لا لبس فيه ولا غموض، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق الزمن في حديثه مع الناس في شأن الإسلام، فهذا اللقاء مع بني عبد الأشهل قد لا يتكرر أبدا، وقد ينبهرون فيه بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، دون أن يلتفتوا إلى أن كمال أخلاقه راجع إلى نبوّته وعصمة الله عز وجل له، وقد يظنونه أحد الشرفاء الكثيرين الذين برزوا في جانب الأخلاق، ومع ذلك فهم يعبدون اللات والعزى، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل في صلب العقيدة مباشرة، فيتحدث عن توحيد الله وعدم الإشراك به.

ويصف معتقده في اليوم الآخر، ويقرأ على الناس آيات من القرآن الكريم، وهكذا يجب أن يكون الداعية الصادق، الذي يحمل همّ الدعوة، ويحرص على أن يكون سببا في هداية الناس، ولقد سلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الطريق إلى المدينة المنورة ابتداء من دار زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها في مكة المكرمة حتى ديار عمرو بن عوف في قباء بالمدينة المنورة، بعد أن رسم الطريق المعتمد للأيام الثلاثة الأولى، وقد استمرت الرحلة إلى المدينة مدة ثمانية أيام بتاريخ اليوم الأول من شهر ربيع الأول من العام الأول للهجرة حتى اليوم الثامن من ربيع الأول من العام الأول للهجرة، في مسافة تقدر بثلاثة مائة وثمانون كيلومترا مرورا بتسعة وعشرون معلما متفق عليها.

وتختلف في تعدادها من راوي إلى آخر، فإن من أول يوم في الدعوة الإسلامية المباركة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعلم أنه سيخرج من بلده مهاجرا، ففي حديثه صلى الله عليه وسلم مع ورقة بن نوفل عندما اصطحبته زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، فعندها قال له ورقة “هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أومخرجى هم؟” قال نعم، لم يأتى رجل قط بمثْل ما جئت به إلا عُودي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي” ومن هذه اللحظه علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق غير ممهد، وليس مفروشا بالورود، بل محفوف بالمخاطر والمهالك، وأنه صلى الله عليه وسلم مُخرج من مكة حتما لا محالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى