تقارير و تحقيقات

خطة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لإستخدام تنظيم الإخوان فى مصر والغرب لعرقلة صعود الصين

 
تحليل للدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
أتذكر جيداً تلك الباحثة التى بعثها لى الأمريكان ببحث مكتوب – أحتفظ بنسخة كاملة منه – للحديث وللتأكيد فى قلب صفحته الأولى على أن الهدف الأول للديمقراطية الأمريكية هو وقف المد الشيوعى الصينى فى قلب العالم، ومن بعدها توالت عدد من الرسائل والأبحاث المرسلة لى بذات الصيغة الأمريكية حول قرب التخلص من النظم الإستبدادية والشيوعية وتغيير الأنظمة الإستبدادية على النمط الأمريكى. وفى حقيقة الأمر فأنا لم تكن تعنينى تلك الرسائل بقدر تسييسها إستخباراتياً بعبارات وخطط تهديدية فى مواجهة الصين وحزبها الشيوعى الحاكم، وهو ما إعتبرته بمثابة أمر غير مسبوق أكاديمياً بالنظر لإستخدام البحث العلمى والأكاديمى لأغراض سياسية وإستخباراتية.
وإتضح لى بأن جميع من ساهم فى تلك اللعبة الإستخباراتية فى مواجهتى، كلهم من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة فى مصر. وهو الأمر الذى جعلنى أتساءل بدهشة حول العلاقة بين الأمريكان والإخوان المسلمين، لدرجة تعريض أنفسهم للخطر لصالح الأمريكان. وهو ما إتضح لى من خلال فهمى وتتبعى لتلك العلاقة والإتصالات التى تمت بين مسؤولين أمريكيين مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابيين فى مصر، وذلك من خلال مؤسسها “حسن البنا” فى فترة الأربعينيات.
فكان مدخل وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لحسن البنا، هو مقالات البنا ذاتها التى كانت تهاجم الشيوعية نفسها لمصلحة الأمريكان، وهو الأمر الذى إجتذب مخابرات واشنطن لصالح عرض التعاون مع جماعة “حسن البنا” من أجل محاربة “العدو المشترك” بينهما ألا وهو الصينيون والسوفييت وقتها، بتقديم إقتراحات موثقة وفقاً لتسريبات وكالة المخابرات الأمريكية، لآلية للتعاون مع “حسن البنا”، بحيث “تكونوا فى جماعة الإخوان المسلمين برجالكم ومعلوماتكم، ونحن الأمريكان بمعلوماتنا وأموالنا المقدمة إليكم”، وهو ما رحب به البنا حينئذ فى مواجهة الشيوعيين. كما حللت مراكز الفكر الصينية وخبراء الإسلام السياسى تلك الوثيقة السرية المسربة من وكالة المخابرات الأمريكية، والتى تتضمن تعليمات محددة للقوات الأمريكية فى أفغانستان، الصادرة من وزير الدفاع الأمريكى الأسبق “دونالد رمسفيلد”، للتأكيد صراحةً، بضرورة المحافظة على تنظيم القاعدة فى أفغانستان كحليف وثيق لجماعة الإخوان المسلمين.
وترقب الصينيون للموقف، خاصةً بعد وصول الإخوان لسدة الحكم فى مصر فى عهد مرسى، خاصةً فى ظل تردد الدبلوماسيون الأمريكيون فى السفارة الأمريكية فى القاهرة على مقر جماعة الإخوان فى منطقة المقطم فى القاهرة، لإستطلاع رأيهم فى التحولات السياسية بمصر والمنطقة والأحوال العامة فى مصر سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. كما بات الصينيون مهتمون بفتح الملفات الممنوعة بين جماعة الإخوان المحظورة والمخابرات الأمريكية، وما ذكر عنهم فى كتاب “ويليام بلوم” المسئول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، المعنون بـ “قتل الأمل”، بأن: “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جندت الإخوان للقتال فى حروب بالوكالة نيابةً عنها، بعضها فى البلقان، وفى سوريا، والعراق،
وهذا جزء من العلاقة بعيدة المدى بينهما”. وهذا الأمر أثار إندهاش وحفيظة الصينيين تجاه تلك العلاقة الوثيقة والمريبة فى الوقت ذاته بين جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية فى عدد من دول منطقة الشرق الأوسط ومصر والأمريكان. كما كان كتاب “روبرت باير” كضابط سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فى عام ٢٠٠٢، بعنوان: “لا ترى شيطاناً أمامك”، والذى صنف فيه كلاً من جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة ضمن الشياطين، الذين يهددون مصالح واشنطن والعالم كله ويسعون للفوضى والإضطراب.
ولاحظ الصينيون بأن كافة تلك الإتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين والجانب الأمريكى، كانت تتم بالأساس (خارج الدائرة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية)، لكن بمشاركة وتخطيط ضباط المخابرات المركزية الأمريكية، مع بعض المسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية ولكن بشكل سرى، بهدف إستمرار التواصل مع الإخوان لصالح الأمريكان فى مواجهة الصين والأنظمة السياسية فى منطقة الشرق الأوسط كله. فكان ذلك الأمر أكثر ما حلله الصينيون على إثر إعتراف كبار القادة العسكريين والشخصيات السياسية البارزة فى واشنطن بإنتهاج جماعة الإخوان المسلمين لنهج العنف والإغتيالات وعدم سلميتها، خاصةً مع شهادة المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى أمام الكونغرس ذاته مع أعضاء آخرين من مجلس الأمن القومى الأمريكى، من أن عناصر الإخوان المسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، يدعمون الارهاب صراحةً وعلانية، وهذا نفس ما قرره مسئولون آخرون بوكالة المخابرات الأمريكية.
كما تشرح برقية أمريكية مسربة، بأسباب دعوة المنتمين إلى جماعة الإخوان الإرهابيين فى مصر وبلدان المنطقة لعدة مناسبات أمريكية، بالتأكيد الأمريكى على أن: “نحن ندعوهم بصفتهم رؤساء نقابات وأكاديميين مستقلين وغيرهم، وليسوا بصفتهم أعضاء فى تنظيم إخوانى محظور وفقاً لعلاقاتهم بمصر وعدد من بلدان المنطقة”، فهذه البرقية بالذات، تعكس درجة كبيرة من عدم الثقة في نوايا الإخوان ودوافعهم بالنسبة للأمريكان، حيث تلمح فى مناسبات عديدة أن الدبلوماسيين الأمريكيين باتوا يرتابون فى ما يعلنه الإخوان عن إلتزامهم بتجنب العنف، ونهج الديمقراطية والحفاظ على حقوق الأقباط، فكانت كلها مجرد واجهة دعائية للإخوان من أجل التقرب فقط من الأمريكان.
وهنا يحاول الصينيون التعرف على الباب الخلفى للسياسة الخارجية الأمريكية، والذى تديره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نيابةً عنها، من خلال محاولة الصينيين تتبع أسراراً كانت محجوبة أو مخفية، من خلال ضباط سابقون بالمخابرات الأمريكية، وما يكتبونه أو ينشرونه لاحقاً من كتب تحوى أدق الخفايا خاصةً عن علاقة الإخوان المسلمين بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وكيفية إستخدامهم سياسياً وإستخباراتياً للإضرار بمصالح الصينيين، كما باتت (وزارة أمن الدولة الصينية) التى تشكل نواة عمل جهاز المخابرات فى الدولة الصينية، تراقب مطبوعات أمريكية لها توزيع واسع النطاق، مثل (مجلة كونتر بانش الأمريكية)، والتى تنشر ما ترفض الصحف الأمريكية الكبرى نشره، بالإضافة إلى ما لا يستطيع عدد من الباحثين والمتخصصين والأكاديميين والسياسيين نشره علانية فى الداخل الأمريكى عن خبايا وأسرار السياسة الأمريكية حول العالم.
ونفس الأمر حدث معى على المستوى الشخصى مؤخراً، وإهتمت الصين بتتبعه على إثر شكوتى المستمرة منه، بوجود حشد إرهابى كبير من المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابيين، إستهدف حياتى وتعقبى وصولاً للشوارع بتوجيه شتائم وسباب وبذاءات للشيوعيين الصينيين لى، حتى على جروبات متخصصة فى الشأن الصينى من قبل عدد من عناصر الإخوان المحظورة، وهو الأمر الذى أزعج الصينيين وبشدة، لإكتشافهم بوجود مؤامرة تمت بين وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية والإرهابيين من جماعة الإخوان المسلمين لعرقلة وتقييد التمدد الصينى فى مصر والمنطقة حتى على المستوى البحثى والأكاديمى بمنعنا من النشر فى مواقع متخصصة أساساً فى الشأن الصينى بعد سيطرة الأمريكان عليها،
وذلك بإمتداد تلك المؤامرة الأمريكية لإستهداف الباحثين والأكاديميين المتخصصين فى الشؤون الصينية من الموالين لبكين وحزبها الشيوعى الحاكم وفقاً لرؤية الأمريكان وتم تصنيفى على رأسهم. كما إتضحت الحقائق بوجود إجتماعات حقيقية تمت بهدف الترويج لأجندة معادية للشيوعية الصينية فى مصر وكافة بلدان المنطقة لضمان سيطرة المنتمين لجماعة الإخوان المحظورة على كافة مصالح الصين إقتصادياً وأكاديمياً، وذلك وفقاً لتحليلات وزراة أمن الدولة الصينية، بدفع وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لعملاؤها من جماعة الإخوان بضرورة السيطرة على مصالح وإستثمارات الصين فى كافة بلدان المنطقة.
وتبقى المفارقة الأكبر فى هذا الإطار، هو قيام وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، بالتعاون مع إستخبارات دول غربية، ببناء مساجد فى عدة دول غربية بمساعدة الجمعيات الإسلامية المحلية المقربة من دوائر ومؤسسات تنظيم الإخوان المسلمين، من أجل محاربة الشيوعية الصينية والروس فى كافة أنحاء أوروبا. وصار المسجد أهم مقر للإخوان المسلمين فى أوروبا فى ألمانيا على وجه الخصوص، بل وفى أوروبا للحشد ضد الصينيين والسوفييت من قبل، من خلال إستخدام أساليب الدعاية المناهضة لهم فى ندوات تلك المساجد من عناصر تنظيم الإخوان لتمرير أجندة الغرب والأمريكان، وفق ضمانات تتيح لتنظيم الإخوان المسلمين الإستمرار فى أنشطتهم بدون أى تقييد غربى فى مواجهتهم على إثر وصمهم بالمحظورة الإرهابية فى مصر وعدد من بلدان المنطقة والخليج.
وفى ذات السياق، وضعت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية خطة ممنهجة ومدروسة ومحكمة تتيح للعناصر الإخوانية الشابة بالتواجد بكثافة على أراضيها من خلال إتاحة فرص ومنح دراسية وتدريبية لهم، ومن خلال ذلك وصل مئات من الشباب الإخوانى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس هؤلاء الطلاب ما سمى بـ (رابطة الشباب المسلم)، تلاه تأسيس أول فرع لتنظيم الإخوان المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية، تحت إسم (الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية)، والمعروفة إختصاراً، بإسم “إيسنا”
 
وبعد هذا الطرح السابق، يبقى التغيير الأهم فى السنوات الأخيرة وبعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين فى مصر، وإعتبارها جماعة إرهابية محظورة، هو أن غالبية الشعب المصرى قد ترسخت لديه رؤية سلبية عن فترة حكم الإخوان كفصيل سياسى محظور، وهو ما سيجعل أى رهانات أمريكية عليهم مجرد أفكار نظرية ومنغصات سياسية تعود حتماً بالسلب ضد مصلحة الجميع، وعلى رأسهم الأمريكان بعد تفهم السلطات المصرية ومعها الصينية لكيفية تغلغل عناصر الإخوان المسلمين الإرهابيين وفقاً لتصنيف السلطات المصرية فى مصالح وأنشطة وأعمال الصينيين والسعى لتقييدهم بعد ذلك. وهو ما يأمله الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى