مقال

عندما يغشى القلب الران

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن عندما يغشى القلب الران
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 12 نوفمبر 2023

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، إن مما يحزن له القلب، ويتفتت له الفؤاد، أن ترى كثيرا من الناس قد أهملوا تربية أولادهم، واستهانوا بها، وأضاعوها، فلا حفظوا أولادهم، ولا ربوهم على البر والتقوى، بل ومع الأسف الشديد فإن كثيرا من الآباء يكونون سببا لشقاء أولادهم وفسادهم حيث قال الإمام ابن القيم رحمه الله ” وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة”

ثم قال أيضا “وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء” وإن الأمر كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام “إن العبد إذا عمل الخطيئة، نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو تاب ورجع، صقل قلبه، وإن هو زاد، يعني في الإثم، زيد في تلك النكتة السوداء، هذا الغطاء على القلب، حتى يغشى قلبه الران” ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى فى سورة المطففين “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” وإذا وصل المرء إلى هذه الحال عياذا بالله منها، فإنه بعد ذلك لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وضرب لهذا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مثالا، قال “حتى يعود كالكوز مجخيا” بمعنى كالكأس المقلوب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، فهذا الكأس المقلوب مهما أردت أن تجعل فيه من سائل.

من ماء كان، أو لبن، أو عصير، ما استطعت، واكتفى بما في داخله من هذا الهواء الذي لا يمكن أن يزاد عليه، فهكذا القلب إذا استسهل الخطايا والمنكرات، تكون هي ديدنه وتكون هي مساره، نعوذ بالله من مثل هذه الحال، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإن للسلف الصالح يرحمهم الله صورا مشرقة ورائعة في التطبيق الفعلي لخلق الأمانة، ومن ذلك إن الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه اشترى فرسا بأربعمئة دراهم، فقال لصاحب الفرس بكم بعته؟ قال بأربعمئة درهم، قال أتريد أن تكون خمسا، قال نعم، قال وستا، قال نعم، قال وسبعا، قال نعم، قال وثمانيا، قال نعم، قال خذ ثمانمائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم”

وعن أبي السباع رضي الله عنه قال، اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها، أدركنا واثلة، وهو يجر رداءه، فقال يا عبد الله، اشتريت؟ قلت نعم، قال هل بين لك ما فيها؟ قلت وما فيها؟ قال إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال، فقال أردت بها سفرا، أم أردت بها لحما؟ قلت بل أردت عليها الحج، قال فإن بخفها نقبا، قال، فقال صاحبها أصلحك الله، ما تريد إلى هذا تفسد علي؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يحل لأحد يبيع شيئا ألا يبين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك ألا يبينه” وقيل كان لأبي حنيفة رحمه الله شريك في التجارة، يقال له بشر، فخرج بشر في تجارته بمصر، فبعث إليه أبو حنيفة سبعين ثوبا من ثياب خز، فكتب إليه إن في الثياب ثوب خز معيبا بعلامة كذا.

فإذا بعته فبيّن للمشتري العيب، قال فباع بشر الثياب كلها، ورجع إلى الكوفة، فقال أبو حنيفة هل بيّنت ذلك العيب الذي في الثوب الخز؟ فقال بشر نسيت ذلك العيب، فقال فتصدق أبو حنيفة بجميع ما أصابه من تلك التجارة الأصل، والفرع جميعا، قال وكان نصيبه من ذلك ألف درهم، وقال مال قد دخلت فيه الشبهة، فلا حاجة لي به”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى