مقال

” سلوى علوان ” توجه رسالة إلى أحرار غزة في ليلة عيد الميلاد

 

 

 

 

في ليلة عيد الميلاد.. كم من ملاك يحلق الليلة في رحاب الله؟ كم من صغير يبيت في حجر نبينا إبراهيم ويرقد في سلام، يستقبلهم عيسى المسيح بكفيه ليشفي ،بأمر الله، جراحهم، ويطيب قلوبهم محمد رسول الله.. كم يا أنبياء الله جميعكم، عز شأنكم وجل مسيركم، كم شهدتم من غدر أعداء الله وأعداء الحياة، قتلة الأطفال وتجار الأعراض وخونة العهود الأذلاء التعساء؟

 

الليلة، ليلة عيد الميلاد، حيث يلملم بيت لحم أوجاعه وتشتعل الشموع في كنيسة السيدة مريم العذراء، تقام الصلوات وترتفع أصوات الترانيم والابتهالات والنداءات والدعوات لرب السماء، فمن لأهل فلسطين الحرة غير ربها يلبي استغاثات العابدين المتوسلين الصابرين الحامدين الشاكرين فيرسل إليهم الرحمات.. لله درك يا غزة، وعلى الله نصرك يا فلسطين الأبية..

 

تمر الليلة باردة مثل ليالي طويلة تمر على أهلنا في فلسطين وهم مشردون في خيام على حدود وطنهم، يحاولون تدفئة أطفالهم الذين ترتجف أجسادهم من البرد وترتجف قلوبهم من هول المشاهد الدامية التي طالت وامتد لنحو ثلاثة أشهر وأصوات الطيران الحربي الذي لا يتوقف وقذائفه التي تنهال عليهم كزخات المطر وكأنها جمرات جاءت من جحيم جهنم..

وفي حي وسط القاهرة وقفت أعاتب صاحب السوبر ماركت وأقول له “لقد اتفقنا ألا ترسل لي أية منتجات غير مصرية وأن المقاطعة مستمرة لكل المنتجات الأمريكية أو منتجات الدول الداعمة للصهاينة… وقبل أن أكمل حديثي قاطعتني فتاة جميلة تصادف وجودها في السوبر ماركت، قالت بفخر وعزة “أنا من غزة “

 

انطلقت العبارة فسكت كل الحاضرين ونظروا بانبهار إلي الصبية التي وقفت كملكة على عرشها! تلك الصبية من غزة، تلك الصبية من دمي، إنها الدماء التي مرت في عروقنا عبر التاريخ الممتد من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، من القاهرة إلى القدس، ومن شبرا إلى يافا وحيفا ورام الله، ومن الإسماعيلية والسويس وبور سعيد إلى مخيم الشاطيء وجباليا وطولكرم..

 

يا إلهي.. إنها غزة، غرة فلسطين الحرة، بلد المعجزات ومحل ميلاد المسيح، إنها غزة، تلك التي تقاوم وحدها وتودع شهداءها وحدها، وتنتحب وتعافر وتعاند وتنتصر وترفع رايات العزة وحدها.. إنها غزة، المدمرة بناياتها ومساجدها وكنائسها ومدارسها ومشافيها وحدائق زيتونها وميناء مياهها، إنها فلسطين المحتلة حتى النخاع من الوريد إلى الوريد، بل الحرة حتى النخاع من الوريد إلى الوريد، فمن هذا الذي يقهرها، ومن هذا الذي يقدر على كسرها؟!

 

ربما استطاع المحتل الغاشم أن يغتال صغارها في مهدهم وأطفالها في مدارسهم وشبابها في شوارع قراهم ومدنهم ونسائها في بيوتهم وأمهاتها وآبائها في منازلهم ومضاجعهم لكنه أبدًا لم ولن يستطيع أن يكسرهم.. إنها غزة يا سادة، تلك التي صارت أيقونة الكرامة وأرض النضال والعزة، إنها غزة، تلك التي صار كل شبر منها يحمل ألف حكاية وحكاية والتي صار ترابها مرويًا بدماء الأطهار من عشرات آلاف الشهداء والجرحى الأبرياء، هي غزة التي تحلق في سمائها الطائرات الحربية الغاشمة على مدار الساعة بينما ترقبها أرواح الملائكة من هؤلاء الصغار والرضع الذين تم اغتيالهم بدماء باردة وقنابل حارقة وصواريخ لا تعرف معنى الرحمة لعصابة إجرامية لا تعرف معنى الشرف..

 

اللية، ليلة عيد الميلاد.. حيث يعلق الفلسطينيون صور شهدائهم على أوراق شجرة الميلاد في بيت لحم، يجمعون لعبًا محترقة هي ما تبقى من ذكريات أطفالهم فكانت آخر ما احتضنته جثامينهن تحت رماد الأنقاض، جثامين لملموا بعض أشلائها على أضواء “كشافات الموبايلات” الليلة، ليلة عيد الميلاد.. حيث يزف أهل غزة شهداءهم في صمت، ففي صمت تأفل النجوم دون مراسم وداع.. لا صوت غير أزيز الطيران الحربي وطلقات المدافع والرصاص، وصوت فيروز ينشد محلقا في كل أرجاء فلسطين: (لأجلك يا مدينة الصلاة، نصلي)

 

أما عن هؤلاء الأبطال على جبهات القتال اليوم هم من كانوا يبكون حينما يلقي الاحتلال القبض عليهم بينما كانوا أطفال، بالأمس بينما كانوا أطفالا صغارا بالكاد يحملون حقائبهم المدرسية ويقاومون عدوهم بالحجارة، أذهلوا العالم حينها وهم يقفون في صمود أمام الدبابات دون أن يرهبهم العسكر ولا الآليات الحربية ولا السلاح الذي يطلق النيران بلا رادع أخلاقي أو قانون يعاقبه أو رقيب يسأله، الموت كان حاضرًا في كل وقت وأي مكان..

 

هؤلاء من هدم الاحتلال بيوتهم وقتل آباءهم وأمهاتهم وحطم أحلامهم وكسر قلوبهم لكنه أبدا لم يستطع يوما أن يحني رقابهم أو يغتصب عقولهم أو يقصم ظهرهم.. اليوم، هم شرف الأمة وضميرها ووجها المشرق النابض بالحرية والحياة.. هؤلاء أطفال فلسطين وشبابها ورجالها ونسائها تقدمهم قرابينا لله على مذبح الحرية.. سلام الله يا غزة..

 

شيء مختلف تشعر به حينما بواجهك الموت وجهًا لوجه، حينها، يضل الخوف طريقه إليك بل أنه يتملك قلب عدوك فيرعبه ويرهبه، لهذا نسمع حكايات جنود العدو الذين ضجت بهم مستشفيات الأمراض النفسية، فمنهم من هرع عاريًا في شوارع الأرض المحتلة يحمل رشاشًا مائيًا ويطلق الرذاذ على المارة من المستوطنين بعد أن فقد عقله، ومنهم من يتبول على نفسه كل ليلة، ومن لا يعرف للنوم طريقًا إلا بعد أن يشرب من الخمر ما يسكره ويغيبه عن الوعي، ومنهم من تطارده المقاومة حتى في نومه فتلاحقه الكوابيس ليقوم مذعورًا يمسك بسلاحه ويطلق النيران على زملائه من جيش المحتل، ومنهم من حاول قتل زوجته مرات ومرات متوهمًا أنه في ساحة الحرب ومنهم ومنهم ومنهم، كثيرة هي الحكايات التي يعجب لها أهل الأرض بعد أن أرسلت السماء المدد للمقاومة الفلسطينية فأضحت انتصاراتها تذهل القاصي والداني من مشرق الأرض إلى مغربها، يا سادة حتى أن الأرض تقاوم مع أصحابها، فوفقًا لأخبار بثتها هيئة الإذاعة “الإسرائيلية” فإن العديد من الجنود الذين أصيبوا في الحرب ووقعوا على أرض غزة أصاب أجسادهم فطر عجز الأطباء عن علاجه أو تفسير ماهيته مما تسبب في موتهم!

 

 

وكم من حكاية بثتها إذاعة الصهاينة وقنواتهم عن جنود من جيشهم قتلوا بعضهم البعض بالخطأ، أي قتال هذا وأي حرب تلك وأي تفسير لهذه الأحداث غير أن الله يرسل المدد لأهل غزة ومقاوميها، فمن يستطيع أن يقول غير هذا؟! إذا كان المدد يأتي من السماء فمن هذا الذي يمكنه أن يغلب هؤلاء الأحرار؟! لقد تركوا للمجتمع الدولي ومجلس أمنه وأممه المتحدة مقاعدهم الوثيرة وياقاتهم البيضاء وقراراتهم البائسة وحلولهم العاجزة الحمقاء وهبوا إلى ما هو أسمى وأرقى وأصدق وأقوى.

 

والحق أقول لكم يا أهل المقاومة والنضال فوق هذه الأرض الحرة، فنحن الشعوب التي تراقبكم عن كثب وتدعو لكم صدقًا بالنصر، لدينا يقين أنكم والله لمنتصرون مهما ارتفعت أعداد الشهداء والجرحى، ومهما شاهدنا من صور الضحايا فنحن نراكم لا تموتون، وإن متم فيقينا تعودون، تلك والله نظرتنا لكم، يا سادة.. لقد ورث الشعب الفلسطيني آلام المسيح وحزنه وهم مثله أيضًا ستظل قلوبهم عالقةً بالأمل في الله.. وإن الذين مالوا على الله لا سَقطُوا و لا هُزِموا و لا رُدوا خائبين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى