مقال

فليتبوأ مقعده من النار

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن فليتبوأ مقعده من النار
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الاثنين الموافق 15 يناير 2024

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، الملك، الحق، المبين، وأشهد أن نبينا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه، أجمعين، أما بعد ليعلم الجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” ويقول صلى الله عليه وسلم ” من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين” فكيف بمن هو ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقله أو يتكلم به، ثم يكون ما أنطقه به من الكلام مصوغا في القالب الذي نزّه الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم؟ وهذه المسألة مما يريد بعض الناس أن يحتال لها بمنافق الكلام ليستحل ما لا يحل أبدا، وهم يراودون الناس فيها عن عقولهم أولا، ثم عن إيمانهم ثانيا لينقادوا لهم في الرضا بها، والمتابعة عليها.

والمسألة لو تناولت أحدا غير صاحب الرسالة لقلنا عسى ولعل ولنظرنا في المخرج الذين يتأولونه نظر المنطق، ولكنها تتناول إنسانية وحدها، قد جعلها الله بمنزلة فوق منازل سائر البشر، وإن لم تخرج عن منزلة البشر في أعراض الحياة، وما يكون فيها وما يأتي منها، وإن إنسانية الأنبياء وحدها هي الإنسانية التي أوجب الله تعالي على من حضرها من الناس أن يؤمن بها أولا، ثم يحافظ على رواية سيرتها ثانيا، ثم يحترس ويتدبر فيما ينقل عنها، أو يصف منها لأن نسبة شيء من الأشياء إليها قد يكون مما يتوهم أحد منه وهما يخرج فيما يقبل من أمر الدنيا بحقيقة الرسالة التي أرسلوا بها عن القانون الإلهي الذي عملوا به ليحققوا كلمة الله التي تعلو أبدا، وتزهر دائما، وتبقى على امتداد الزمن روح الحياة البشرية.

وميزان أمر الناس في هذه الدنيا، وليس يقال في قصة صاحبنا أو غيرها أَن ما أنطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناول تشريعا أو أدبا أو حكمة، وإنما يتناول الكلام المتعاطى بين الناس، فليس به من ثم بأس، وليس يقال مثل هذا لأن التشريع حين يوضع ويراد به سد أبواب من الشر والفتنة، يأتي منعا مصمتا لا مدخل فيه ولا ثغر، حتى يدفع المحزبين والمفسدين والعابثين، ويضرب على أيديهم من كل ناحية، ولو كان الأمر على غير ذلك لتناول كل لص مفتاح الباب الذي يريد أن يدخل منه إلى عقول الناس ليستغرهم ويزلزلهم من جنة الإيمان إلى جحيم الإلحاد في الدين من الطريق الخفي الذي لا تبصر فيه العامة ولا تهدى به إلى أرشد أمرها في الحياة، وإن لرسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم أعمالا كبرى، يتمثل فيها نجاحه.

وهذه الأعمال يمكن تلخيصها هو أنه صلى الله عليه وسلم قضى على الوثنية، وأحل محلها الإيمان بالله واليوم الآخر، وأنه صلى الله عليه وسلم قضى على رذائل الجاهلية ونقائصها، وأقام مقامها الفضائل والمكارم والآداب، وأنه صلى الله عليه وسلم أقام الدين الحق الذي يصل بالإنسان إلى أقصى ما قدر له من كمال، وأنه أحدث ثورة كبرى غيرت الأوضاع والعقول والقلوب ونظام الحياة الذي درج عليه أهل الجاهلية، وأنه وحّد الأمة العربية، وأقام دولة كبرى تحت راية القرآن، وهذه هي الأعمال التي تمثل نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في مهمته، وهي كما تبدو كلها أمور كبيرة، وإقامتها بل إقامة واحد منها من الخطورة بمكان، وإنه لا يمكن أن يتأتى النجاح لفرد في بعض هذه الأعمال.

فضلا عن توفر النجاح في كل ناحية من هذه النواحي، وإن القيام بهذه الأعمال والنجاح فيها على هذا النحو، لهو المعجزة الكبرى لحضرة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فإذا كان نبي الله عيسى عليه السلام له معجزة إحياء الموتى، ونبي الله موسى عليه السلام له معجزة العصا، فإن هاتين المعجزتين في جانب هذه المعجزات تُعد شيئا ضئيلا، ومن دلائل الصدق على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو مرسل من عند الله تعالي هو أنه صلى الله عليه وسلم كان زاهدا في الدنيا، فلم يكن يطلب على عمله أجرا، فقد كان صلى الله عليه وسلم زاهدا في المال، وفي كل ما هو مادي، كما كان زاهدا في الجاه والمنصب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى