مقال

يونس عليه السلام.. كيف أنقذه التسبيح والتضرع إلى الله من ظلمات الحوت وكساه برداء من القرع؟

جريدة الأضواء

كتبت سماح إبراهيم 

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب”، 

قصة النبي يونس (ذو النون) عليه السلام، بصورة مختصرة من الوارد ذكره في كتاب “البداية والنهاية” عن قصص الأنبياء، لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفدا إسماعيل ابن كثير القرشي، المتوفى عام 774 هجريا.

هو يونس، أو ذو النون، ابن بنامين ابن زوبلون ابن شمعون ابن إيسافر ابن شير إبن لاوي إبن نفيتالي ابن جاد ابن النبي يعقوب ابن النبي إسحاق عليهما السلام، وهو من أنبياء بني إسرائيل.

يرجح العلماء أن يونس بعث الى أهل الموصل في العراق، وأن أصله ينحدر لجده التاسع النبي إسحاق عليه السلام، الذي عاش في أرض كنعان، وهي فلسطين ولبنان وأجزاء من الأردن وسوريا حاليا.

يقول تعالى في سورة الصافات: “وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ”.

يقول أهل التفسير إن النبي يونس عليه السلام بعث إلى أهل مدينة نينوى في أرض الموصل بالعراق، فدعاهم إلى عبادة الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا عليه بكفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه وعدهم بحلول العذاب.

يقول الأئمة ابن مسعود، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف، إنه لما خرج يونس من بين قومه، وتحققوا نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما بدر منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح (النسيج الخشن المصنوع عادة من شعر الماعز الأسود والذي كان ارتداؤه غير مريح بدرجة كبيرة)، ثم تضرعوا الى اللله عز وجل، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، وفرغت الإبل أي تململت في التراب، وخارت البقر وأولادها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب، الذي كان قد اتصل بهم بعد تكذيبهم النبي يونس.

يقول الله تعالى: “فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا”، وقوله تعالى في سورة يونس: “إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ”.

اختلف العلماء هل أرسل النبي يونس لقومه قبل قصته المعروفة مع الحوت أم بعدها.

ويقول المفسرون إن يونس عليه السلام غضب من قومه وقرر تركهم دون وحي من الله، فوجد سفينة ربانها رجل صالح فسأله الركوب فيها فسمح له، فلما سارت السفينة في البحر، لجت بهم واضطربت وماجت وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، فاتفق جميع من فيها على تخفيف الحمل حتى لا تغرق السفينة، والتزموا بإجراء قرعة، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة.

فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضًا، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة مرة ثالثة فوقعت عليه أيضًا، فعلم يونس أن الله يريد به أمرا عظيما، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ”.

ولما ألقي يونس عليه السلام في البحر، بعث له الله حوتًا عظيمًا فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل لحمه، ولا يهشم عظمه، فليس له برزق، فأخذه الحوت فطاف به البحار كلها، وقيل إن ذلك الحوت ابتلع حوتا آخر أكبر منه، وأنه لما استقر يونس في جوف الحوت حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي، فخر لله ساجدًا وقال: “يا رب اتخذت لك مسجدًا لم يعبدك أحد في مثله”.

واختلف العلماء في مقدار لبث يونس في بطن الحوت، فقيل إنه التقمه ضحى ولفظه عشية، وقال ابن قتادة مكث فيه ثلاثًا، وقال جعفر الصادق التقمه سبعة أيام. ويشهد له شعر أمية بن أبي الصلت، فيما قال سعيد بن أبي الحسن، وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يومًا، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.

ويقال إنه لما أخذ الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج الأحاجي، سمع يونس تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، لرب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينها وما تحت الثرى.

* التسبيح ينقد يونس من ظلمات الحوت

روى ابن جرير في تفسيره، عن عبد الله بن رافع مولى عن سلمة أنها قالت: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: “لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحمًا ولا تكسر عظمًا، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًا فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر، قال فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة، قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح!، قال: نعم، قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل”.

وكان النبي يونس يسبح ربه في بطن الحوت فيقول: “اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، حيث يروى عن رسول الله أنه قال إن دعوة يونس هذه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا واستجاب له.

* يونس منبوذا في العراء

لفظ الحوت نبي الله يونس على شاطئ البحر، عاريا بدون ملابس، يقول الله تعالى: “فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيْمٌ”، أي ضعيف البدن، ثم يقول الله: “وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ”، وهنا ظهر فضل وكرم الله تعالى على يونس عليه السلام، حيث يقول الإمام ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، أن الله رزقه بكسوة من فاكهة اليقطين وهي القرع، الذي يتميز بورقه الغاية في النعومة، والكثير والظليل، والذب لا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نيًا ومطبوخًا وبقشره وببزره أيضًا وفيه نفع كثير، وتقوية للدماغ، وغير ذلك. عليه وعلي نبينا افضل الصلاة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى