مقال

طليحة بن خويلد الأسدى ” الجزء الثالث “

طليحة بن خويلد الأسدى ” الجزء الثالث “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع طليحة بن خويلد الأسدى، وفي القادسية خرج هو وعمرو بن معد يكرب وقيس بن المكشوح للاستطلاع، فخاض في الماء يريد الوصول إلى معسكر رستم قائد الفرس، وهو يركب فرسا من خيلهم، وخرج الفرس في أثره، فقتل منهم اثنين من خيرة قادتهم وفرسانهم، ثم أسر الثالث وسار به حتى وصل معسكر المسلمين، فدخل على سعد فقال له سعد “ويحك ما وراءك؟” قال طليحة “أسرته فاستخبره فاستدعى سعد المترجم” فقال الأسير “أتؤمنني على دمي إن صدقتك؟” قال سعد “نعم” قال “أخبركم عن صاحبكم قبل أن أخبركم عمن قبلى” ثم راح يحدثهم عن بطولة وشجاعة طليحة النادرة، واختراقه معسكرا فيه ما فيه من الجنود والقادة، وشهد له بأنه يعدل ألف فارس، ثم أسلم هذا الأسير، وحسن إسلامه، واستفاد منه المسلمون استفادة عظيمة نظرا لخبرته بمعسكر الفرس، وفى شجاعته فقد قال محمد بن سعد أنه كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته، وقال صاحب أسد الغابة أنه كان من أشجع العرب، وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما لقد اتهمنا ثلاثة نفر، فما رأينا كما هجمنا عليه من أمانتهم وزهدهم طليحة، وعمرو بن معد يكرب، وقيس بن المكشوح، وأما عن النعمان بن مقرن المزني فهو صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أمير قبيلة مزينة التي تسكن قريبا من المدينة المنورة، وهو النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن إد بن طابخة.

بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو عمرو، المزنى، وقد قال لقومه مرة يا قوم والله ما علمنا عن محمد إِلا خيرا، ولا سمعنا من دعوته إلا مرحمة وإحسانا وعدلا فما بالنا نبطئ عنه، والناس إليه يسرعون؟ ثم أتبع يقول أما أنا فقد عزمت على أن أغدو عليه إِذا أصبحت، فمن شاء منكم أن يكون معي فليتجهز، فقدم على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع قومه ومعه الهدايا معلنا إسلامهم جميعا ففرحت المدينة أشد الفرح بهذا الخبر إِذ لم يسبِق لبيت مِن بيوت العرب أن أسلم منه أحد عشر أخا من أب واحد ومعهم أربع مائة فارس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهم ” ان للإيمان بيوتا و للنفاق بيوتا، وان بيـت بني مقرن من بيوت الايمان” وقد نزل فيهم قول الحق سبحانه وتعالى ” ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما بنفق قربات عند الله وصلوات الرسول، إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله فى رحمته إن الله غفور رحيم” ومن مناقب النعمان بن عمرو بن مقرن، أنه كان أول مشاهده الأحزاب، وقد شهد بيعة الرضوان، وقد نزل الكوفة، وقد شارك في حروب الردة زمن أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وقد شارك في معركة القادسية، وكان من ضمن رسل سعد بن أبى وقاص إلى يزدجرد، وقد ولى عسكر لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم صرفه وبعثه على المسلمين يوم وقعة نهاوند، فكان يومئذ أول شهيد، وكانت في سنة إحدى وعشرين، وقد ورد أن عمر بن الحطاب رضى الله عنه، شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان.

فإذا قطعت جناحا فاء الرأس وجناح وإن قطعت الرأس، وقع الجناحان، فقال عمر بن الخطاب للنعمان بن مقرن رضى الله عنهما، إني مستعملك فقال أما جابيا فلا، وأما غازيا فنعم، قال فإنك غاز، فسرحه، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة، والزبير، والمغيرة، والأشعث، وعمرو بن معد يكرب، فذكر الحديث بطوله، وهو في مستدرك الحاكم، وفيه، فقال اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين، وافتح عليهم، فأمنوا، وهز لواءه ثلاثا، ثم حمل، فكان أول صريع، ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء، فانشق بطنه، وفتح الله تعالى، ثم أتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء، فصببت على وجهه أغسل التراب، فقال من ذا؟ قلت معقل، قال ما فعل الناس؟ قلت فتح الله عليهم، فقال الحمد لله، اكتبوا إلى عمر بذلك، وفاضت نفسه، وعن علي بن زيد، عن أبى عثمان قال، أتيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بنعي النعمان بن مقرن، فوضع يده على وجهه يبكى، وأما عن عمرو بن معد يكرب، وهو أبو ثور عمرو بن معد يكرب الزبيدي المذحجى، وقد أسلم وصحب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لكن بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد ارتد عمرو بن معد يكرب ثم رجع إلى الإسلام لذلك لا يعد صحابيا وإنما تابعى، وحسن إسلامه، وهو شاعر وفارس اشتهر بالشجاعة والفروسية حتى لُفب بفارس العرب، وكان له سيف اسمه الصمصامة، وقد شارك في معارك الفتح الإسلامي في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما في الشام والعراق وشهد معركة اليرموك والقادسية.

وكان اشد الناسِ قتالا فيها وقيل انه قتل رستم فرخزاد، وكان عمرو بن معد الزبيدي طويل القامة وقوي البنية وحتى إن عمر بن الخطاب قال فيه الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرو تعجبا من عظم خلقه، ومما يروى عن إسلامه، أنه قال لصديقه قيس بن مكشوح حينما بلغهما أمر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد، قد خرج بالحجاز، يقول إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى ننظر أمره، فإن كان نبيا كما يقول، فإنه لن يخفي عليك، كان غير ذلك، علمنا، فرفض قيس ذلك، فذهب هو إلى المدينة، ونزل على سعد بن عبادة، فأكرمه، وراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقيل إنه قدم المدينة في وفد من قومه زُبيد، فأسلموا جميعا، وقد ارتد بعد وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الإسلام وحسن إسلامه، وفي يوم اليرموك حارب في شجاعة واستبسال يبحث عن الشهادة، حتى انهزم الأعداء، وفروا أمام جند الله، وقبيل معركة القادسية طلب قائد الجيش سعد بن أبي وقاص مددا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليستعين به على حرب الفرس، فأرسل أمير المؤمنين إلى سعد رجلين فقط، هما عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد، وقال في رسالته لسعد إني أمددتك بألفي رجل، وعندما بدأ القتال ألقى عمرو بنفسه بين صفوف الأعداء يضرب فيهم يمينا ويسارا، فلما رآه المسلمون، هجموا خلفه يحصدون رؤوس الفرس حصدا، وأثناء القتال وقف عمرو وسط الجند يشجعهم على القتال قائلا يا معشر المهاجرين كونوا أسودا أشداء، فإن الفارس إذا ألقى رمحه يئس.

فلما رآه أحد قواد الفرس يشجع أصحابه رماه بنبل، فأصابت قوسه ولم تصبه، فهجم عليه عمرو فطعنه، ثم أخذه بين صفوف المسلمين، واحتز رأسه، وقال للمسلمين اصنعوا هكذا، وظل يقاتل حتى أتمَّ الله النصر للمسلمين، في معركة نهاوند، استعصى فتح نهاوند على المسلمين، فأرسل عمر بن الخطاب إلى النعمان بن مقرن قائد الجيش قائلا، استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، وشاورهما في الحرب، ولا تولهما من الأمر شيء، فإن كل صانع هو أعلم بصناعته، وقاتل عمرو في هذه المعركة أشدَ قتال حتى كثرت جراحه، وفتح الله على المسلمين نهاوند، وظفر عمرو في تلك المعركة بالشهادة، وأما عن قيس بن المكشوح المرادي الصحابي الجليل قيس بن المكشوح المرادي واسم المكشوح هُبيرة بن عبد يغوث بن الغزيِل بن سلمة بن بداء بن عامر بن عوبثان ابن زاهر المرادي من مذحج، وهو كما قال ابن الكلبى، قيس بن المكشوح، واسمه هبيرة بن عبد يغوث، وكانت له مواقف في الفتوحات في زمن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما، ومنها معركتى اليرموك والقادسية الشهيرتين، وقد جاء في كتاب النسب لأبن سلام سمي المكشوح لأنه كشح جبينه بالنار، أي كواه، وابنه قيس كان فارس مذحج وهو الذي قتل الأسود العنسي الذي تنبأ، وإنما سمي أبوه المكشوح لانه كشح بالنار، أي كوى على كشحه، وقد ذكر الطبري الحوار الذي دار بينهم عندما أراد عمرو بن معد يكرب الذهاب للرسول صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامه في السنه العاشرة من الهجرة .

وكان عمر بن معديكرب قال لقيس بن مكشوح المرادى حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا قيس، أنت سيد قومك اليوم، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد حرج بالحجاز يقول إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيا كما يقول فإنه لم يخق علينا، وإذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك، علمنا علمه، فإنه إن سبق إليه رجل من قومك سادنا وترأس علينا وكنا له أذنابا، فأتي عليه قيس وسفه رأيه، فركب عمرو بن معديكرب في عشرة من قومه حتى قدم المدينة فأسلم، ويقول البلاذرى في فتوح البلدان، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل قيس بن هبيرة المكشوح لقتال أسود العنسي وكان اسمه عبهلة بن كعب بن عنس، وهو من أرتد من أهل اليمن، والثابت بالمراجع أن قيس بن المكشوح وهو هبيرة قد شارك بمعركتي اليرموك والقادسية، حيث يقول البلاذرى أن قيس بن المكشوح فقدت عينه بمعركة اليرموك، ويقول الطبري أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمد أبا عبيدة بن الجراح بمعركة اليرموك بقيس بن هبيرة، وقد رجع العراق مع أهل العراق ولم يكن منهم، ويضيف الطبري بأن عمر بن الخطاب أمد سعد بن أبي وقاص بالعراق بسبعمائة فارس بقيادة قيس بن مكشوح المرادى المذحجى، وقد قدموا من اليرموك لمساندة جيش المسلمين بيوم القادسية وهى معركة القادسية الشهيرة، وأما عن طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدى فكان ممن شهد غزوة الخندق في صفوف المشركين، وقد أسلم سنة تسع، ثم ارتد وادعى النبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وتبعه بعض القبائل في أرض نجد،إلا أنه هزم مع أتباعه على يد القائد خالد بن الوليد وأعلن توبته لله بعد ذلك وأسلم وحسن إسلامه، وقيل عنه أنه صاحب المهمات الخاصة في فترة الفتوحات الإسلامية، وقيل عنه أنه فارس بألف رجل، وكانت مواقفه قليلة في الإسلام ولكنها خالدة في كتب التاريخ، فهو خير مثال للجندي الذي ينفذ أوامر قيادته في الشدة مهما كانت المخاطر ومهما كلفته من متاعب وواجهته عقبات، هو الصحابي طليحة بن خويلد الأسدى، وفي معركة القادسية، كان المسلمون بقيادة سعد بن أبي وقاص وكان يواجهون الفرس وكان الفرس يتفوقون في العدد والعتاد، فأستمد سعد أى طلب المدد، من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما” لقد أمددتك بألفي رجل وهما عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد رضي الله عنهما، فشاورهما في الأمر ولا تولهما شيئا” وقبل بداية المعركة أرسل القائد سعد بن أبى وقاص سبعة رجال لاستكشاف أخبار الفرس وأمرهم أن يأسروا رجل من الفرس، وكان طليحة بن خويلد الأسدى من بين السبعة رجال الذى أرسلهم سعد بن أبى وقاص، وكان بمجرد خروج السبعة رجال تفاجئوا بجيش الفرس أمامهم، وكانوا يظنون أنه بعيد عنهم، فقالوا نعود إلا طليحة بن خويلد رفض العودة إلا بعد أن يتم المهمة التي كلفه بها سعد، وبالفعل عاد الستة رجال إلى جيش المسلمين، واتجه هذا البطل ليقتحم جيش الفرس وحده، وقد التف حول الجيش وتخير الأماكن التي فيها مستنقعات مياه وبدأ يمر منها حتى تجاوز مقدمة الجيش الفارسي المكونة من ثمانين ألف مقاتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى