مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان بين الوفاء والغدر “الجزء السابع”

نفحات إيمانية ومع الإنسان بين الوفاء والغدر “الجزء السابع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع الإنسان ما بين الوفاء والغدر، فإن الوفاء بالعهد قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، فبالوفاء بالعهد تدعم الثقة بين أفراد الأسرة، والمجتمع، وبها تطمئن النفوس لبعضها البعض، وبها تنمو أواصر التعاون بين الأفراد والجماعات، والوفاء بالعهد شُعبة من شُعب الإيمان، فهو دليل على صدق إيمان وعنوان استقامتهم، فمن يراقب المتعاهدان أثناء تعاهدهما؟ إنه الله الرقيب السميع البصير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإن الوفاء بالعهود خصلة من خصال المومنين الصالحين، وأدب رباني جليل، وخلق نبوي كريم، وسلوك إسلامي حميد، فمن أعطى عهدا لله أو لعباد الله فقد أصبح مسئولا على الوفاء به.

 

ولهذا أمر الإسلام بضرورة التحلي بالوفاء بالعهود والعقود، ولقد جعل الله سبحانه الوفاء بالعهد من صفات أهل الصلح والفلاح والإيمان، ولما كان للوفاء بالعهد هذا الفضل وهذه المكانة والمنزلة، تخلق به كل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وينقسم العهد إلى قسمين، عهد بين الله والناس، وعهد بين الناس بعضهم بعضا، أما العهد مع الله، فقد كان مبدأه في عالم الغيب، على الإيمان بالفطرة، ثم العهد على التوحيد والإحسان والعمل الصالح في هذه الدنيا، ويأتي الوفاء مع الناس بتقديم الوفاء بعهد الإحسان للوالدين، وحسن معاملة الأزواج، والأقارب، وحسن الجوار، والإحسان إلى عامة المسلمين، ثم عامة الناس فيما لا يتعارض مع طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

ومن الوفاء بالعهد ما يتعلق بالمعاملات المالية التي هي أصل المشاكل في زماننا بين الكثير من الناس، وكذا الوفاء بالعهد في مجال الكيل والميزان، ويأتي في هذا السياق أيضا، الوفاء بالعهد بأداء الأمانات لأهلها وسرعة تسديد الديون لأن “مطل الغني ظلم” كما جاء في الحديث الشريف، واعلموا أن نقض العهود وعدم الوفاء بها علامة من علامات النفاق التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التحذير فقال “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان” فهذه علامات الدنيا، وأما في الآخرة فينصب له لواء يعرف به بين الأشهاد، فإن للوفاء بالعهود أثره المشهود، ذلك أن الوفاء بالعهد سواء باللسان أو الكتابة.

 

برقابة من الله يحدث السرور في النفوس، ويوثق العرى بين الناس، ويرضي الملك القدوس، وأما الجاحد والخائن للعهود فإن باب الرضا دونه مسدود، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الخائنين للأمانات قدوة بقوله “أدى الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك” فإن الحديث عن الوفاء حديث شيق وجميل، يتصف بعذوبة معانيه، وجميل مبانيه، لما يتصل به من محاسن الآداب التي تنم عن رقة قلوب من اتصفوا به، وما أحوجنا أن نتصف به في هذه الأزمان التي افتقدت رونقها الصافي، وغشاها القتر الذي أخفى جميل معالمها ولطيف محاسنها، وكم هي تلك المآثر التي تبيّن شرف هذا الأدب الرفيع، حتى ضربت بأصحابه الأمثال، وسار بذكرهم الركبان عبر الليالي والأزمان؟

 

وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمةَ من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستنطق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه؟ وكفى بالوفاء فضلا وشرفا أن الله عز وجل قد أمر به في محكم التنزيل، وقال تعالى مادحا أهله فى سورة الرعد ” الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق” فما بالك بخلق أمر الله به ومدح من اتصف به؟ فإن الوفاء من أشرف السجايا، وأجمل الخصال، ومن أَجل ذلك فقد تنافس إلى بلوغه والاتصاف به شرفاء العرب، حتى خلدت أسماؤهم وصارت قرينة لاسمه حيثما ذكر ولذا فقد كانت العرب إذا مدحت رجلا لوفائه قالت “أوفى من السموأل” لما اتصف به ذلك الرجل من عظيم وفائه ورعايته لعهده حتى ضُرب به المثل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى