مقال

عودة الشرق بين الثقافة والحضارة..

عودة الشرق بين الثقافة والحضارة..

 

بقلم/ د. مصطفى النجار

 

يتبادل المتحضرون المهرة ما يحسنون صناعته ، وليس فى تبادل المنفعة ملام ، لكن أن تكون عالة لتخلفك العلمى والتقنى فتلك مذلة لا كرامة فى ظلها ، والملام عليك فى ذلك محمدة ، لعلك تفيق من غفلتك فتحصل العلم وتستجمع قواك لتنهض من جديد ، فيكون لك بين الأحياء مكان ومكانة ، لكن إذا طلبت العلم فبخل أولو الحضارة عليك ، ومنحوك أمراض ثقافتهم المادية التى أعيتهم ، لتستبدلها بثقافة ربانية نزل بها الوحى وصاغها القرآن و أرسى قواعدها محمد صلى الله عليه ‘ فذاك إستبدال الذى هو أدنى بالذى هو خير ، وما انت إلا كمريض طلب العسل ليشفى فأعطوه السم ليقضوا عليه ، ويسحقوا هويته ليسوه بالارض

 

ذلك تحديدا ما يمارسه الغرب المتحضر مع الشرق الذى يحاول النهوض والعودة لسابق مجده من جديد ، يبخلون عليه بالحضارة وما يتصل بها من علوم وتقنيات ، ويسوقون له سموم ثقافة هم أشقى الناس بها وبما أثمرته من مرارات ،

 

بداية بالتفكك الأسرى و الانحلال الخلقى مرورا بالعنصرية الظالمة انتهاء بأعلى معدلات الجريمة والانتحار ، يسوقونها على أنها الحضارة زورا وبهتانا.

 

ولتمر الخديعة الكبرى كان لابد من خلط المفاهيم بين الثقافة والحضارة ليبيعوا للشرق الأولى حين يطلب الثانية ، ليظل تابعا ثقافيا محرما عليه أن يكون شريكا حضاريا ، لمنع عودته لمقام أجداده فى الصدارة والقيادة من جديد ، وبين مفهوم الثقافة والحضارة ما بين السماء والأرض ، فالثقافة خلق مستمر للذات ، نور داخلى يجعل الإنسان أكثر إنسانية ويهذب مشاعره وسلوكه ليكون أكثر رقيا ورحمة ، فهى تحديدا أثر الدين على الإنسان بما يشتمل عليه من قيم وأخلاق ، أما الحضارة فهى التغيير المستمر للعالم من خلال فن العمل والسيطرة والصناعة والتكنولوجيا ، فهى شىء خارجى ، يعنى تأثير الذكاء الإنسانى على الطبيعة ، كتحويل الحديد مع غيره من الخامات لسيارة ، فهى استخدام العلم كقوة لجعل الإنسان أكثر قدرة على تسخير الطبيعة لخدمته ، ورغم ذلك الاختلاف الهائل إلا أن العلاقة بين الثقافة والحضارة علاقة إرشاد وتوجيه وهداية ، فلابد لقوة وقدرة الحضارة من نور الثقافة والأخلاق يرشدها ويهديها ، لتكون قوة بناء وتعمير لا استعلاء وتدمير ، فإذا فشلت ثقافة قوم فى هداية حضارتهم تحولت الحضارة لقوة تدمير وهلاك واستعباد ، كما حدث من إبادة الإنسان فى هيروشيما ونجزاكى بالتكنولوجيا النووية ، تلك الفاجعة التاريخية التى كانت دليلا على فشل الثقافة الغربية فى هداية حضارة القوم للبناء والتعمير وما يعود على الإنسان بالخير.

 

إن مشكلة الثقافة الغربية فى إنقطاع صلتها بالسماء ، فلا ترى أن الناس سواء وإن اختلفت الوانهم وأعراقهم ومعتقداتهم ، وترى استعلاء الأبيض على الأسود أمرا لا غضاضة فيه ، تلك الثقافة التى يحاولون جرنا لهاويتها ، وتسويقها على أنها الحضارة والرقى ، فى الوقت الذى يضنون علينا بالحضارة الحقيقية وما يتصل بها من علوم وتقنيات ، وأرى أن الخديعة مرت على بعض المساكين من شبابنا للأسف ، فاقتبسوا مسالب الثقافة الغربية يظنوها الحضارة والرقى تحت تأثير الانبهار والهزيمة النفسية ، أولم يجد بعض شبابنا ما يقتبسه من الغرب سوى الإلحاد و الإباحية و الإنحلال و انماطا من الملبس عجبا ، يقطعونها بعد صناعتها ثم يرقعون بعض قطوعها ويتركون أخرى تظهر مفاتن الأجساد ، اقتبسها المساكين على انها لونا من الموضة والرقى ، أوليس تقطيع الثياب إفسادا وترقيعها بعد ذلك اختلالا عقليا ، أوليس ترقيع الثياب سببا ليستحى الرشيد من ارتدائها ، أولم يجد ذكور شبابنا ما يقتبسه سوى تسريحة الشعر و إطالة بعضه وتقصير الأخر ولفه من الخلف وتضفيره ، ما هذا ، أو كتب علينا أن نضيف لتخلفنا العلمى السطحية والميوعة ، وبدل أن نقتبس مقومات الحضارة من علم وتقنية وإنتاج ، تسارعنا فى إهلاك أنفسنا بأمراض الثقافة الغربية نظنها الحل ، ولا ندرى أنها الفناء المنتظر لهويتنا وديننا ووجودنا.

 

لقد اقتبس اليابانيون والصينيون وغيرهم من علوم الحضارة الغربية حتى أصبحوا على مشارف نهضة عظمى ، دون ان يغيروا ثقافتهم وقيمهم و معتقداتهم ، وعلينا فى الشرق العربى والإسلامي أن نحذوا حذوهم ، فنقتبس من الغرب ما ينفعنا من حضارتهم ، أما ثقافتهم فنحن أزهد الناس فيها ، ولا بأس ان نقتبس منها ما يتوافق مع ثقافة ربانية ، صاغها القرآن وغرس ملامحها فى نفوسنا وقلوبنا محمد صلى الله عليه ، نهضنا حين كانت تلك الثقافة فاعلة فى مشاعرنا موجهة لسلوكنا ، تغرس فينا حب الخير والجمال ، وتجعل العلم معيارا للارتقاء مع الإيمان ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ” (المجادلة-11) ، ولا سبيل لنهضتنا الا بتفعيلها فى نفوسنا من جديد ، أما أن نستبدلها بغيرها فذلك الخسران والفناء لأمة قادت البشرية يوما ما.

 

أما الحضارة فنحن مطالبون باقتباس علومها وتقنياتها ، لنحيى أمة شقى الشرق العربى والاسلامى بغيابها عن الصدارة والقيادة حتى اصبح كالأيتام على موائد اللئام ، وخسرت البشرية الكثير بانحطاطها ، و لنجاح ذلك الاقتباس لابد من خطة استراتيجية قومية شاملة ، تحدد ما نحن بحاجة ملحة اليه ، وما يمكننا اقتباسه فى ضوء الإمكانيات المتاحة ، وما يعود اقتباسه على اقتصادنا بأعظم النفع ، وتوفير العوامل المساعدة للتنفيذ من تعلم اللغات وترجمة العلوم الغربية للعربية ، والاستفادة من العلماء بالداخل ، و طيورنا المهاجرة بالخارج من العلماء النابهين والمتخصصين والفنيين فى مشروع عربى قومى ، لصناعة نهضة عظمى للعالم العربى والاسلامى ، قائمة على المعرفة والعلم التقنى والإيمان الربانى ، وفى القلب منه مصرنا الحبيبة ، التى يحاولون عبثا محاصرتها وضربها فى مقاتلها ، ولن يفلحوا برعاية الله لها ثم بفضل المخلصين من أبنائها.

 

فاحفظ اللهم مصر شعبا و جيشا – – ونيلا وارضا من الباغين وحدودا

وكل عام وحضراتكم بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى