مقال

نفحات إيمانية ومع أحوال الفرج والشدة “جزء7”

نفحات إيمانية ومع أحوال الفرج والشدة “جزء7”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع أحوال الفرج والشدة، ويقول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله” هذا منزع من قوله تعالى مما أنزل في فاتحة كتابه ويقرأه عبده المسلم ” إياك نعبد وإياك نستعين” فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ” أفضل العبادة الدعاء” وقال الإمام الخطابي رحمه الله في كتابه “شأن الدعاء “وقوله صلى الله عليه وسلم ” الدعاء هو العبادة” معناه أنه معظم العبادة أو أفضل العبادة، كقولهم الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون أفضل الناس، أو أكثرهم عددا، أو ما أشبه ذلك، وأن الإبل أفضل أنواع المال.

 

وكقول النبي صلى الله عليه وسلم “الحج عرفة” يريد أن معظم الحج الوقوف بعرفة، وذلك أنه إذا أدرك عرفة فقد أمن فوات الحج، ومثله في الكلام كثير، ويحثنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، على أن نسأل الله تعالى كافة حاجتنا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لبسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع” ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وتكايس بعضهم وقال الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض، يثيب الله عليه الداعي.

 

من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما، ولا فرق عند هذا المتكايس بين الدعاء وبين الإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب، وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق، وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه وتعالى أمارة على قضاء الحاجة، فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت، وهذا كما إذا رأيت غيما أسودا باردا في زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يُمطر، قالوا وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، لا أنها أسباب له، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل.

 

ليس شيء من ذلك البتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه، إلا مجرد الاقتران العادي، لا التأثير السببي، وخالفوا بذلك الحس والعقل، والشرع والفطرة، وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء، فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء، لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم، وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يستنصر به على عدوه، وكان أعظم جنديه.

 

وكان يقول لأصحابه” لستم تنصرون بكثرة، وإنما تنصرون من السماء ” وكان يقول إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ” فمن الهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، فإن الله سبحانه يقول ” وقال ربكم ادعونى أستجب لكم” وقال تعالى فى سورة البقرة ” وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان” وقال الإمام الغزالي رحمه الله في “كتاب الإحياء” فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهام، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى