مقال

الإسلام السياسي وسلبياته. 

الإسلام السياسي وسلبياته.

كتب / يوسف المقوسي

 

أهل الإسلام السياسي يعتبرون أن “الإسلام هو الحل”. يُهملون العلوم الحديثة لكن يجلون التكنولوجيا إجلالاً إلى درجة العبادة.

المقاربة الذهنية في الدين وفي التكنولوجيا واحدة. أنت تستنبط مجهولات من معلومات. تستخرج المعرفة من مبادئ أولية تعتبر ثابتة في صدقيتها. تصل هذه المبادئ في ثباتها الى درجة القداسة. تبتعد هذه المبادئ في الدين كما في التكنولوجيا. في العلم الحديث أنت تسأل وتشك. تضع المبادئ الأولية على المحك. ترتاب في صحتها. صحيح أنك تنطلق منها الى التكنولوجيا، لكن العلم الحديث يتطوّر بثورات معرفية، تنتهي دائماً ـ أو غالباً ـ بتغيير المبادئ الأساسية عينها. أما في الدين والتكنولوجيا، فإنك تفسّر المبادئ الأساسية. ينتهي الدين في الطقوس التي تعتبر تطبيقات للدين. وينتهي العلم الحديث الى التكنولوجيا التي تعتبر تفسيراً لنظريات العلم الحديث. معظم ما يُسمى إبداع في التكنولوجيا هو تعليب جديد لنظريات قديمة. تسويق جديد لها، دون تساؤل حول صحتها أو عدم ذلك. الطقوس الدينية ممارسات أو تطبيقات لمبادئ تتعلّق بالإيمان. الفقه تطبيق لأصول الدين.

أهل الإسلام السياسي في وصولهم الى السلطة يتركون أمور الحياة اليومية للطقوس الدينية في الدين وللتكنولوجيا في العلم. كلاهما تطبيق لمبادئ ثابتة معلومة. لكنهم ينفرون من مذاهب جديدة تتعلّق بالأصول التي تقدّس ويُمنع التساؤل بها والتشكيك بها خوفاً من الانتقال الى مستويات جديدة من الإيمان. كذلك التكنولوجيا. هي مستحبة. تنال التقدير والتقديس بغير ما يحصل للعلوم الحديثة. هذه الأخيرة مهمتها التساؤل حول مبادئ الكون والعناصر. والتساؤل يقود الى الشك، والشك يقضي على اليقين، وهو سواء وصل الى نظرية جديدة أم لم يصل، يُفرد للشك في العقيدة (العلمية) مكانة خاصة يخاف منها أهل العلم السائد. كما يخاف أهل الدين السائد من كل شك أو عقيدة جديدة ربما انتهت الى مذهب جديد. ويخافون أكثر إذا امتد التساؤل والشك من أصول الدين الى أصول العالم، ذلك أن للدين وجهة نظر تتعلّق بالدين أو بالخالق. هذه النظرية تعتبرها أساساً فيزيقياً وميتافيزيقياً. جاء العلم الحديث منذ نشأته ليهدم نظريات الدين حول نشوء الكون وتسطحه ودورانه، وحول نشوء الإنسان وتطوره، وكذلك بالنسبة للحيوانات والنباتات. وجميع هذه النظريات تقوّض أسس عقائد الدين التي يحافظ عليها حراس الهيكل ويمنعون تسربها لأذهان الناشئة وبقية الناس.

يصر الإسلام السياسي على الاحتفاظ بالدين الموروث واستيراد تكنولوجيا الغرب دون ثقافة الغرب. وكما أن ثقافة الغرب المناوئة لعقائد الدين ومؤسساته (الإصلاح الديني والإصلاح الديني المعاكس في أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر) أنتجت ثقافة جديدة مكان ثقافة الغرب القروسطية، كذلك فإن هذه الثقافة ولّدت تكنولوجيا، هي بدورها ولّدت ثقافة جديدة، مرّت بالرأسمالية ثم الليبرالية، ثم النيوليبرالية.

للتكنولوجيا ثقافتها. وهذا ما تحاول المجتمعات الإسلامية تجاهله أو منعه. تريد تكنولوجيا الغرب، خاصة السلاح من أجل القمع وكم الأفواه، والحفاظ على ثقافتنا الموروثة في آن معاً. وهذا تناقض داخلي هو في صميم الحرب الأهلية عندنا. تستخدم الثورة المضادة السلاح الغربي المستورد للحفاظ على المجتمع التقليدي والثقافة التقليدية. تريد نتائج العلم الحديث دون تبني أسسه، أي العلم الحديث. يعرف حُكامنا أن استيراد التكنولوجيا لا يتوافق مع المجتمع المغلق الذي يحافظون عليه. لذلك تتبدى الانفجارات الكبرى والحروب الأهلية. جاء الانفتاح على الغرب لاستعمال أسلحته وطرقه المالية الاقتصادية مع الإصرار على المحافظة على الثقافة، وهذا أمر مستحيل. استيراد التكنولوجيا يحتّم استيراد الثقافة التي أنتجته، وإلا تفجّرت مجتمعاتنا. وهذا ما يحدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى