مقال

الهداية وصلة الأرحام ” جزء 2″

الهداية وصلة الأرحام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الهداية وصلة الأرحام، وإن من أحب الأعمال إلى الله صلة الرحم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم، فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت، بلى قال فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم” متفق عليه، فالأرحام هم أقارب المرء من جهة الأب ومن جهة الأم، ويشمل ذلك الآباء والأمهات والأجداد والجدات والأولاد ذكورا وإناث وأولادهم ، وهكذا الأخوة والأخوات وأولادهم.

 

وكذلك الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم، كل أولئك أرحام داخلون في قوله جل وعلا “وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض” أما أقارب الزوجة فهم أصهار وليسوا بأرحام، وكذلك أقارب الزوج بالنسبة للمرأة أصهار وليس بأرحام، وإن صلة الرحم والإحسان للأقربين طرقها ميسرة وأبوابها كثيرة، فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة، إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، إضافة إلى الزيارات والصلات، والمشاركة في الأفراح والمواساة في الأتراح، المبادرة إلى صلحهم عند عداوتهم، والاجتهاد في إيصالهم كفايتهم بطيب نفس عند فقرهم، ومداومة مودتهم ونصحهم في كل شئونهم، مساندة مكروبهم، وعيادة مريضهم، والصفح عن عثراتهم، وترك مضارتهم.

 

والمعنى الجامع لذلك كله هو إيصال ما أمكن من الخير لهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه” رواه البخارى ومسلم، فما سمعت الدنيا بأوصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبناء عمه وأقاربه، أخرجوه من مكة، وطاردوه وشتموه وآذوه، وحاربوه في المعارك، ونازلوه في الميدان، قاموا بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية ضده، فلما انتصر دخل مكة منتصرا، ووقفت له الأعلام مكبرة، عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر أمرا منه وشأن الفاتحين أن يبيدوا أعداءهم فقال ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال فاذهبوا فأنتم الطلقاء، هذا أروع مثل يضربه إنسان لعشرين عاما عانى ما عانى من قريش.

 

حروب وقتل وسفك دماء وتعذيب وإهانة فلما ملكهم وانتصر عليهم عفا عنهم، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم،له ابن عم اسمه أبو سفيان بن الحارث، فيسمع بالانتصار، وقد آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، وشتمه، وقاتله، فيأخذ هذا الرجل أطفاله ويخرج من مكة، فيلقاه علي بن أبي طالب، يقول يا أبا سفيان إلى أين تذهب؟ قال أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعا وعريا والله إن ظفر بي محمد ليقطعني بالسيف إربا إِربا فيقول علي بن أبى طالب وهو يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأت يا أبا سفيان إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصل الناس وأبر الناس وأكرم الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف ” تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين”

 

وهو موقن بالقتل يأتي بأطفاله ويقف على رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته” تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين” فيبكي النبي عليه الصلاة والسلام وينسى تلك الأيام، وتلك الأعمال وتلك الصحف السوداء، ويقول ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” وأبو سفيان بن حرب ماذا يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ يقول يا بن أخي ما أوصلك ؟ ما أرحمك ؟ ما أحكمك ؟ ما أعقلك ؟ وتأتي النبي صلى الله عليه وسلم أخته من الرضاعة وقد ابتعدت عنه عقودا عديدة ، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه أيضا، فتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى