مقال

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 1″

الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسرورا دائما، بل هو يوما يُسر ويوما يحزن، ويوما يأتيه شيء ويوما لا يأتيه فهو مصاب بمصائب في نفسه، ومصائب في بدنه، ومصائب في مجتمعه، ومصائب في أهله، ولا تحصى المصائب التي تصيب الإنسان، ولكن المؤمن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، فإذا أصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة لا تظن أنه يذهب سُدى، بل ستعوّض عنه خيرا منه، ستحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها، وهذا من نعمة الله تعالي، وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر والاحتساب، يعني احتساب الأجر، كان له مع هذا أجر، وإن الصبر لم يخلق إلا للنفوس الكبيرة، التي تستطيع أن تستعلي على كل ابتلاء وهم.

 

فتصبر وتحتسب عند الله كل ما تلاقيه من عناء وكبد، إنها هي الدنيا، الاختبار الكبير، وكيف يكون الاختبار دون فتن وابتلاءات ومحن تحتاج إلى صبر؟ فلو تأملنا كل لحظة لنا في الحياة، لوجدناها تحتاج إلى هذا المعنى الإيماني الراقي، فعباداتنا صبر لا يصمد له إلا الخاشعون، وتركنا لكل ما نهى الله عنه صبر لا يصمد له إلا أصحاب الهمم، والابتلاءات بكل أنواعها صبر على ما نكره لا يصمد له إلا أصحاب العزائم ولذا أكد الله حبه للمؤمنين الصابرين، فيقول تعالى ” والله يحب الصابرين” وقال عز وجل ” إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب” فمن عظم ثواب الصابرين خفاء أجره ليظل الصابرون متطلعين إلى الجزاء الأوفى من ربهم، لا ينظرون إلى دنيا، ولا يأبهون لعرض، والصبر لازم من لوازم المؤمن، الذي نذر نفسه جنديا في قافلة الدعوة المباركة.

 

فهو لا بد متعرض للإيذاء والابتلاء وغير ذلك من أشواك الطريق، فإذا صبر وتحمل ومضى بثبات وعزم فهو على الطريق، وستمنحه تلك الملمات عزمات جديدة، يمضي بها شامخ الرأس، مرفوع الجبين، فصبره دليل صدق وإخلاص، بل هو مدرسته التي يتخرج فيها بطلا مستهينا بالأخطار، وبكل ما ينال من تألق روحه وإشراقها، وصبر المؤمن ضياء لأنه يمنعه أن يمضي مع الجاهلين في سوء أدبهم، فيحلم عليهم ويتصبر، ويمنعه أيضا من جزع يفقده الصواب والاتزان، بل يحفظ روحه ساكنة هادئة موقنة بأن ما تلقاه هو الخير، ما دام المُبتلي هو المتفضل وصاحب النعم والمنن الكثيرة، وحقيقة الصبر في عقله ألا يكون هناك تشك وتذمر، أو جزع مُتصل يعلم به القاصي والداني، فإذا استعلى المؤمن وصبر، كان عليه وهو يمضي على ذات الطريق أن يتجمل بلؤلؤتنا الثالثة.

 

بالثبات ولأن القلب أسرع تقلبا من القدر في غليانها، فإن الثبات يكون هدية الله للمؤمنين المخلصين، فالثبات يحتاج إلى قوة في العقيدة لا تتأثر بما تلاقي من فتن، فلا تغيير ولا تبديل، بل وقوف في وجه الباطل إلى آخر لحظة، ثبات كثبات سحرة فرعون أو أصحاب الأخدود، لا تراجع إلى اللحظات الأخيرة، وليس الثبات في المحن فحسب، بل إن عظمة القلوب المؤمنة أنها في وقت الرخاء أو الشدة لا تستجيب لنزعات النفس وأهوائها المظلمة، بل تثبت على المنهج، وإن بدل الناس كلهم أو غيروا، فتصير بذلك علامات يقتدي بها السائرون على الطريق، ففي كلتا الحالين ثبات، ظلمات المحن التي يتقلب فيها لا يرى بارقة أمل أو نصر غير يقين غرسه في أعماق نفسه، أو مغريات تزوغ لها الأبصار، وتتهافت أمامها القلوب الخاوية، فحقا إنه الصدق مع الله عز وجل.

 

فيقول تعالي ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” فهو صدق نية خلص بها القلب، وصدق تتحرك به الجوارح، فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواح أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” وعن أم العلاء رضي الله عنها قالت عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال “أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة” رواه أبو داود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى