مقال

الطفل ودور الأسرة ” جزء 7″ 

الطفل ودور الأسرة ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع الطفل ودور الأسرة، وهذه الخطوط الصغار والأعراض هي الحوادث والنوائب المفاجئة، فإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأ هذا نهشه هذا، وإن أخطأه كلها أصابه الهرم” فسبحان مَن شملت قدرته كل مقدور، وجرت مشيئته في خلقه بتصريف الأمور، وتفرد بملكوت السموات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فلا ريب أن الإنسان مجبول على حب البقاء، إلا أنه يعلم أنه لا محالة هالك، وأنه لا بد لوجوده من أجل، هكذا اقتضت إرادة الله عزّت قدرته، وجلت حكمته أن يجعل في نفس الإنسان بعض العوض عن ذلك، فإنه يرى بقاءه مستمرا، وذكره لم ينقطع بذريته، فلا يندم على جهاده في معترك الحياة، ولا يأسف على مفارقة ما جمع من مال وعقار لعلمه أنه تركه لخلفه الذى هو جزء منه.

 

فكأنه هو الذى يستمتع به، وكأنه باقى لم يلحقه فناء، وهذا كله مسلم لدى جميع العقلاء، فالكل يحب الولد لأنه يرى فيه بقاء لذكره، ويوقن أنه خليفته في هذه الحياة، كما أن كل إنسان يشعر بالحاجة إلى مُعين مخلص، ومساعد أمين، يحمل عنه بعض متاعب الحياة، ويكون عُدته عند النوائب، وإذ إنه في الشدائد، ولا أحد أجدر من الولد في ثقة الوالدين في هذا المعنى لذا كان حب الذرية غريزة قوية في الإنسان فقلب الأبوين مفطور على محبة الولد، والرحمة به، والشفقة عليه، والاهتمامِ بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوع الإنسانى من الأرض، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما، وإننا في هذه الأيام يجب علينا أن نحاسب أنفسنا، وأن نراجع إيماننا، لننظر هل محبتنا لأولادنا أشد وأعظم من محبتنا لله ولرسوله؟ إننا إذا كنا نتأثر بمحبتنا لأولادنا.

 

ونترك لهم الحبل على الغارب، فلا نأمرهم بطاعة الله، ولا ننهاهم عن معصية الله، نكون بعملنا هذا قد آثرنا محبةَ أولادنا على محبة ربنا ومحبة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يأمران به وينهيان عنه، فعليك أيها الأب أن تحاسب نفسك، وأن تراجع إيمانك، فعليك أن تتقي الله عز وجل في هؤلاء الأبناء، الذين لهم أمانة في عنقك، فإن كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فما الذي قمت به تجاه هؤلاء الرعية؟ فعليك أن تتقي الله وأن تحرص على استثمار أوقاتهم، فلا تتركهم يذهبون يمينا وشمالا، ويتسكعون في الطرقات، ويتلقفون ما يتلقفون من الأخلاق السيئة من هذا وذاك، إنها أمانة تبرّأت منها الجبال وحملتها أنت أيها المسكين، إنك كنت ظلوما جهولا، فينبغي ألا يغيب عن البال أن ظاهرة الرحمة إن حلت في قلب الأبوين.

 

وترسخت في نفسيهما، قاما بما يترتب عليهما من واجب، وأديا ما أوجب عليهما من حق رعايتهما الأولاد، تلك الرحمة كانت تملأ قلب رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فتفيض عيناه بما تكنه جوارحه، ففي الصحيحين من حديت أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال أرسلت إحدى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت يعنى في مقدمات الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ارجع إليها وأخبرها أن لله تعالى ما أخد، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب” فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابث ورجال رضي الله عنهم فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع أى تتحرك.

 

وتضطرب ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ قال “هذه رحمة جعلها الله تعالى فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” وفي الصحيحين أيضا من حديت أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله؟ فقال “يا ابن عوف، إنها رحمة” ثم أتبعها بأخرى فقال “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” إلا أن هذه الرحمة التي استكنت فى قلبه صلى الله عليه وسلم لم تخرجه عن حد الاعتدال، فقد كان يوجههم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم، وإن كان فيه قسوة عليهم، فهذا مقتضى الرحمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى