مقال

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 5″

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، فأهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيضرب مصالحهم المادية، لذلك ردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا عنيفا، فردوا عليه ردا منكرا، وسخروا منه واستهزءوا به، قال له أحدهم هو يمرط أي أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر، أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله “وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين” ما ينبغي لي أن أكلمك، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لَم يترك دعوته، بل مكث عشرة أيام في الطائف يتردد على منازلهم، يدعوهم إلى دين التوحيد، ولكن دون فائدة، فلما رأى منهم الاستهزاء والسب والشتم والطرد.

 

طلب منهم أن لا تخبروا أهل مكة بمجيئه إليهم، ولكن أهل الطائف تخلوا عن أبسط مظاهر الخُلق العربي، وهو إكرام الضيف الغريب، إذ كانوا أشد خسة ودناءة مما توقعه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أرسلوا رسولهم إلى مكة ليخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لمحمد في الطائف، ولم يكتفوا بهذا، بل تخلوا عن أخلاق العرب كلها، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدما، ولا يضعها إلا على الحجارة، وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وشج رأس الصحابى الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، الذي حاول الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألجأ السفهاء والصبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة.

 

ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما جلس، والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين، إلا أن يتوجه إلى ربه، وراح النبى صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابه الذين يجلدون ويُعذبون في مكة، وتذكر زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وتذكر عمه أبا طالب، فلم يجد بُدا من أن يرفع هذه الشكوى إلى الله عز وجل، فقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله عز وجل قائلا ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك.

 

أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” فلم يطلب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من الله أن ينتقم منهم، وأن يسيل دماءهم، وألا يبقى على أرض الطائف من الكافرين ديارا، بل لم نسمع كلمة ذم واحدة على الذين طاردوه وسبوه وأدموا قدميه بالحجارة، بل كان كل همه صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه، فلما رآه ابنا ربيعه عتبه وشيبه، وكانا من ألد أعداء الإسلام، وممن مشوا إلى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم، من أشراف قريش يسألونه أن يكفه عنهم، أو يُخلى بينه وبينهم، حتى يهلك أحد الفريقين، ولكن في هذا المشهد انقلبت الغريزة الوحشية إلى الشفقة والتراحم، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له عداس.

 

فقالا له خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس ثم أقبل به، حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده، قال “باسم الله”، ثم أكل فنظر عداس في وجهه، ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟” قال نصرانى، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرية الرجل الصالح يونس بن متى” فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي” فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه، قال، يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه، أما غلامك فقد أفسده عليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى